جمع المخرج محمد الحمادي بين معاناة الباعة "الجائلين" والإرث الاجتماعي "المحلي"، في فيلم قصير لم تتجاوز مدته 17 دقيقة، حمل عنوان "البسطة" ملتقطا من مشاهد طبيعية من الحياة اليومية في الأحساء.

جسد أدوار الفيلم سبعة باعة "جائلين" حقيقيين "بائعا بطيخ، وبائعا أسماك، وبائع طيور زينة، وبائع فواكه وخضروات، وبائع ملابس وكماليات نسائية"، وجرى تصويرهم في نقاط بيع متفرقة في طرقات ميادين بمحافظات المنطقة الشرقية، دون أي ترتيبات مسبقة معهم، وبعفوية "مطلقة"، بلهجة "محلية"، ترجمت كتابيا للـ"فصحى"، وباللغة الإنجليزية.

وذهب المخرج في عرض مشاهد الفيلم إلى حديث القلب إلى القلب، وترك الكاميرا تتجول حرة في هذه الـ"بسطات"، لرصد انفعالات الباعة، وعرض حزمة من معاناتهم، والتي أبرزها: مضايقة البلديات، وأشعة الشمس الحارقة في الصيف، مضايقة الوافدين، عدم وجود دخل عال، الجمع بين الدراسة والعمل، تكبد بعض الخسائر جراء تلف أو فساد بضائعهم.

لجنة الفنون المسرحية في فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالأحساء "قسم الأفلام" عرضت أمس الفيلم ضمن أمسية "صانعي الأفلام الشبابية"، والمخرج محمد الحمادي، وأدار الحوار المحاضر في كلية الآداب بجامعة الملك فيصل يونس البدر.




نهاية الفيلم تشاؤمية

الفيلم الذي يصنف ضمن الأفلام الواقعية "الوثائقية" يناقش بعمق الطبقة الكادحة، من خلال هذه الـ"بسطات" التي هي نوع من الإرث الاجتماعي والاقتصادي الذي هو مصدر اعتزاز، وما عزز من ذلك مشاركة كبار "السن" للتحدث عن أعمالهم البسيطة، نهاية "الفيلم"، بإغلاق هؤلاء الباعة "الجائلين"، بسطاتهم مع غروب الشمس ودخول الظلام في مواقعهم، مشهد "سوداوي"، وهي نهاية متشائمة توحي باندثار تلك المهن أسوة بالمهن الأخرى التي اندثرت، هذا المشهد على تناقض مع مشهد بداية الفيلم حينما ظهر الباعة وهم مبتسمون وفي ساعات النهار "المضيئة".

أمين الغافلي

ناقد سينمائي




الحياة مليئة بالصور السينمائية

عرض أي عمل إبداعي في الأحساء مجازفة، لأن جمهور الأحساء متذوق ودقيق في ملاحظاته وانتقاداته، وانتابني القلق كثيرا حينما قرر عرض الفيلم في الأحساء، "الفيلم" وثائقي حقيقي، لم أحتج فيه إلى ممثلين ومكياج، أظهرت الإنسان بطبيعته وبأسلوبه ونمط حياته العادية، ويخلو من التعليق كالأعمال النمطية الوثائقية الأخرى. حرصت على رصد الانفعال الأول لهؤلاء الباعة، وهي رفض التصوير في البداية، إلا أن طاقم العمل صور تلك البداية التي فيها كيفية تعامل هؤلاء الباعة مع الكاميرا، وكما أظهروا معاناتهم في بعض المشاهد، أظهرت مشاهد أخرى استمتاع بعضهم بهذه الظروف. "البسطة" حرفة عالمية، وأكبر الدول المتحضرة تمارس شعوبها البيع من خلال "البسطة"، هي جزء من الحياة اليومية، وبدونها يبدو في الحياة نوع من الغرابة، حتى إنها أصبحت جزءا مهما من حياتنا. جميع الباعة في المشاهد من "الذكور"، إذ تعذر تصوير مشاهد لبسطات "نسائية". أؤكد أن هناك أعمالا سينمائية سعودية "متطورة"، صناعة الأفلام القصيرة في المملكة أصبحت متقدمة جدا مع قلة الإمكانات والدعم، لكني أضع في الحسبان أهمية السيناريو الذي هو العمود الفقري، والممثلين الذين يؤدون أدوارهم بطبيعتهم وكأنهم حقيقيون في مشاعرهم لإيصال الفكرة، الحياة اليومية مليئة بالصور السينمائية التي تحتاج من يلتقطها ويوظفها فنيا.

محمد الحمادي

مخرج الفيلم




تكامل

أشدد على الحاجة الماسة إلى الخطاب السينمائي، لامتلاكه نسيج جميع الخطابات الأخرى، والتي من بينها الخطابات الشعرية، والتشكيلية، والخطابات العامية، إننا بحاجة إلى نقاد سينمائيين، وهو شرط لاكتمال الخطاب السينمائي، المملكة تشهد حاليا نهضة سينمائية ملحوظة.

علي النحوي

ناقد أدب