ضع نقودك في جيبك أول كلمة ينطقها شكسبير على لسان إياجو في مسرحيته (عطيل). ولعل شكسبير ينبهنا إلى شيء هام؛ هو أن رأس المال يتحكم في كل شيء!

اهتمام شكسبير بهذا المعنى ينبع من انقضاء عصر طبقة الفرسان في العصور والوسطى - وهم من يحملون المال من جيوب الأغنياء إلى جيوب الفقراء – وسطوع شمس النهضة في عهد جيمس الأول وتدفق الحريات في أوروبا آنذاك. ولذا فلم يعد هناك من سينتزع نقودك من جيبك، وكان المال حينها شديد الأهمية في اتخاذ القرار.

ولو كتب شكسبير مسرحيته الآن لقال (ضع قلمك في جيبك) لأن القلم أو ما يطلق عليه (القوة الناعمة) أصبح في جيوب الآخرين في ظاهرة مقنَّعة بالتزييف والهراء والكذب والمداهنة بل والمكر والدهاء جراء البحث عن (المعلنين والرعاة)، ففسدت الذائقة والفكر والأخلاق في أغلب القنوات الخاصة.

إذا تساءلنا عن ركاكة البرامج والمواد التي تعج بها القنوات الخاصة والتي غيرت الشارع العربي كله إلى هذا الانفلات والعنف والتدني الأخلاقي والكلمات الركيكة فذلك يرجع إلى سيطرة المعلن وإلى استدرار الجيوب إن صح التعبير!، فأصبح الهدف عداد المشاهدة، وعليه يتهافت المعلنون، وبطبيعة الحال أصبحت القناة تتبع رغبات المشاهد وليس العكس، وهذه طامة كبرى لأن الإعلام تحول من قطاع خدمي إلى قطاع ربحي؛ وحتى المسرح لم يسلم من هذه الكارثة! والأدهى من ذلك هو اختيار المذيعين والمذيعات على غير تخصص وكأنه أصبح لزاما علينا إغلاق كليات الإعلام، فأصبح الواحد منهم يقدم فكرة لصاحب رأس المال لأي منتَج كان وفي أغلب الأحيان يصادف هوى في نفسه أو يشكل له مصلحة أيا كانت بعيدا عن المصيبة التي قد تحدثها الفكرة بمستوياتها المتعددة في الشارع، وعليه تضمن الفكرة منتجها فيصبح مذيعا لبرنامج و لا علاقة لهما بالإعلام، أضف إلى كل ذلك الواسطة والشللية وما يطلقون عليه (التربيطات)، ثم نلطم الخدود ونقيم المؤتمرات والندوات والتوصيات وتدفق الأقلام ما في جوفها عما وصل إليه الشارع العربي من تدن وتطرف فكري وعقائدي وأخلاقي وغير ذلك من إقصاء وتزمت وفوضى وتحرش دون أن ننظر إلى لب المشكلة، وأعتقد أن الحل يكمن في عودة الإعلام الخدمي وليس الربحي، ودعم الدول لقنواتها الخاصة لتضمن لها الاستمرار دون اللجوء إلى عداد المشاهدة، لنصنع شارعا ناضجا مفكرا راقيا حينها نقول (ضع قلمك في جيبك).