لقد أدركت المملكة العربية السعودية بناء على معطيات محددة أن تبني علاقات استراتيجية عميقة مع أقطاب عديدة بدلاً من الاعتماد على قطب واحد أو جهة واحدة، وأثبتت الأحداث أنه من الذكاء قراءة الأوضاع العالمية والأحداث الجديدة بشكل صحيح، واتخاذ قرارات صحيحة وذكية بناء على قراءات صحيحة وذكية أيضا وفي وقتها.

تلك القراءة الذكية وتلك القرارات الصائبة تجنب بلادنا الوقوع في مآزق ربما كان الخروج منها صعباً ومكلفاً إن لم يكن غير ممكن، الشراكة التي تبنيها المملكة العربية السعودية مع الصين والمتمثلة في 14 اتفاقية بتمويل يصل إلى 70 مليار دولار هي بداية صحيحة، سيكون لها مردود إيجابي على كلا البلدين، وسيكون لها دور كبير بإذن الله على استقرار المنطقة، لأن استقرار المملكة العربية السعودية هو استقرار لكامل المنطقة، وقوة السعودية هي قوة لكامل المنطقة.

منطقتنا العربية أصبحت منطقة ساخنة بسبب عوامل عديدة، لقد بدا واضحاً لنا أن سياسات الغرب في العالمين العربي والإسلامي ليست عادلة وليست منصفة..هذه حقيقة، والحقيقة الثانية أن الغرب لم يعد محل ثقة بالنسبة لنا، وقد أثبت ذلك الربيع العربي والتحالفات والاتفاقات التي يبرمها الغرب مع بعض الدول، وربما كانت تلك الاتفاقات على حسابنا وحساب مصالحنا.. هذا ربما كان ظناً.. ويقول المثل العربي: "بعض الظن من حسن الفطن".. أما بالنسبة لسياسات الغرب فكما هو واضح من قضيتنا الأساسية، قضية فلسطين التي لم تحظ بتعامل عادل مع الغرب، بالرغم من كل الجهود التي بذلتها الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تقدمت بمبادرة شُهد لها بأنها عادلة لكل الأطراف، واتضح انحياز الغرب مع الأطراف الأخرى في الأمور التي تتعلق بقضايانا.

أما القضية الثانية وهي الثقة في الغرب فقد ثبت أن الصين وروسيا أكثر ثقة من الغرب .. هذا ما أثبتته الأحداث التي تجري أمامنا اليوم، ولهذا كانت قيادة بلادنا حكيمة بتوجهها للصين وتوقيعها أربع عشرة اتفاقية تضمن لنا حلفاء مخلصين في السلم والحرب، في الرخاء والشدة.

لقد تميزت المملكة العربية السعودية في تحالفاتها أنها ليست ضد أحد ولا تتدخل في شؤون أحد، بل تسعى لمساعدة كل المتضررين في العالم بدواع دينية وإنسانية حتى مع الدول التي نختلف معها.. ومثال ذلك المساعدات التي قدمتها المملكة عبر ما مضى من الوقت لإيران أثناء كوارث الزلازل التي ضربت بعض مدنها، والمملكة ليست لها أجندة ضد أحد، ولا تسمح في نفس الوقت لأحد بالتدخل في شؤونها الداخلية.

إن الزيارة التي قام بها الرئيس الصين قد حظيت باهتمام بالغ من قبل الدولتين، وقد تم الاحتفاء بالرئيس الصيني وحظي باستقبال وحفاوة استثنائية، نظراً لما تشكله الصين من مكانة كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية، ولما لها من دور كبير في مجريات كثير من الأحداث التي يمر بها العالم بشكل عام، وتمر بها منطقتنا بشكل خاص، والزيارة لها دلالات أخرى على رغبة المملكة العربية السعودية في الركون بعد الله على حليف مخلص، له دور في تحقيق الهدف الاستراتيجي الكبير المتمثل في بناء قوة عسكرية كبيرة وقوة اقتصادية كبيرة، حيث إن السعودية مؤهلة لذلك فهي إحدى الدول العشرين الأكبر اقتصادا في العالم .. وبقية دول العالم الأول الذي له تحالفات مع دول كبيرة حققت له المكانة التي يحتلها، كذلك تفعل بلادنا ببناء تحالفات فاعلة مع دول كبيرة تحقق ذات الهدف..

العالم اليوم يمر بمرحلة حساسة وخطيرة على كل المستويات، ولا بد من التحرك في كل الاتجاهات للخروج من هذه الأزمات بأقل التكاليف، وبلادنا بكل وعي وحكمة تأخذ الخطوات التي ترى أنها تحقق لها الاستمرار في قوتها العسكرية والاقتصادية التي تكفل لها بعد الله الاستمرار في المكانة التي تحتلها، وتضيع على الأعداء والمتربصين أهدافهم ضدها.. ذلك يأتي باستشعار المملكة العربية السعودية دورها الريادي بأن قوتها ليست لها وحدها بل للعالم العربي والإسلامي كافة، وقد أثبتت الأحداث ذلك..

وخلاصة القول فلقد أحسنت المملكة العربية السعودية بتنوع اتجاه بوصلة اعتمادها على محور الغرب فقط بالاتجاه للشرق وللصين تحديداً وبناء تحالفات واتفاقيات تنمو مع الزمن لتحقيق المصالح المشتركة والتعامل مع الأزمات المحدقة بعالمنا اليوم في ظل ثبوت عدم وفاء الغرب وعدم الاعتماد عليه وخذلانه لأقرب حلفائه عند مرورهم بأزمات .. وفق الله قيادتنا وحفظ بلادنا من كل سوء وفرج الله عن أمتنا كل بلاء تمر به وأدام عزها.