استطاع اثنان من الباحثين الهولنديين كشف اللثام، عن سر الغرام، بلدغ البعوض لأجسامنا في المنام، لقد حبس بارت كنولز (Bart Knols) نفسه بصبر ولمدة شهر كامل تحت مظلة، وسلط على نفسه 117 بعوضة شرسة خبيثة من فصائل الإناث المجرمات يلدغن جسده كيفما اتفق ليرى أين تحب العض والهرش؟ أين تنصب حفارات الجلد؟ ومتى تحب شفط الدم؟ ومن أي مكان تحديدا؟ هل ما يقودها شكل أم رائحة أم حرارة الضحية المسكين وكيف يحصل كل هذا؟ قام بها في دراسة ميدانية لهذه الحشرة الخبيثة. وخوفا من انتقال الأمراض عن طريق هذه البعوضة المجرمة فقد تم تعقيم البيوض قبل إطلاق سراح الوحش المسمى بعوضة وناموس ومسكيتو. تمت التجربة في جامعة فاجينينجن (UNI. Wageningen) وكنولز المسكين مستلقٍ بدون حركة، وهو يرقب أفانين إناث البعوض في اللدغ وكيف يقتربن منه؟ ثم يرقدن سواكن على جلده، ثم يبدأ عمل حفارات الجلد، ثم التخدير الموضعي كأحسن ممرضة، ثم الشفط الدموي على هدوء بأفضل من محقنة الطبيب، ثم إعادة الكرة مرات، ثم انطلاق موجات مخيفة من شراهة الحك في موضع اللدغ. إن من لم يجتمع بهذه الحشرة الملعونة لا يعرف أهمية النوم المريح، ومن لم يسمع أزيز طيرانها وطنينها بجانب أذنه ولا يرتعب ويستعيذ بالله من الشيطان في تلك الليلة لم يتعرف بعد على عجائب الكائنات وغرائب المخلوقات، ولماذا ضربها الله للمثل وقال إنه ليس ثمة أدنى منها وأحقر. إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين. حقيقة إنها حشرة محيرة متحدية لا ينفع معها بنطال وسترة تخترق اللباس بشفرة طولها 7 ملمترات فلا يحمي منها قماش، إلا بوجود سترة وقناع كاملين لكل الجسم بسماكة سنتمر ربما من حديد مصفح وهو غير ممكن، أو كما يفعل سكان بنجلادش بالنوم تحت الناموسية دوما أبدا. إنها خبيثة مجرمة قاتلة محترفة تقتل في العالم كل عام مليونين من الأنام بالأمراض، وتضرب الدماغ بمرض النوم فيرقد المصاب فلا يتصبح، وتعلعل العباد بمرض الملاريا وهناك ما لا يقل عن 500 مليون مصاب في العالم يحملون في دمائهم البلاسمويدات المسببات نوبات الحراراة المخيفة المتكررة. وإذا اجتمع بها أحدنا في غرفة النوم فهو بين أمرين اللدغ والانزعاج أو الدعوة لخير العمل وقتل الحشرة حتى يطيب المنام، إنها تحد كامل من كائن ضعيف يرقص بأجنحته ويختفي في لحظات، وهو ليس مثل الذباب يحترم آداب النوم، ويسهل قتله بالقتالة، وإذا حاول أحدنا قتلها بمطرقة الذباب طارت من هواء الضربة، فوقعت القارعة على الجدار بالخيبة، فيجب هرسها من الخلف ببطء وحذر بالغين، أو قتلها بعد شرب الدم فتثقل وتسكن على الحائط بلون أسود، فإذا ضربتها طرش الحائط بالدم فيمكن أن تخط اسمك بلون قانٍ كما فعلت أنا. وحاصل الحديث عن البعوض طويل..
أما الثنائي الهولندي فقد قاموا بالدراسة العلمية ليحصدوا نتائج ذات بال أولها ولعها الشديد برائحة القدمين، لذا عمدا إلى خداعها فأحضروا من مقاطعة ليمبورج جبنة متعفنة تشبه رائحة الأقدام فراعهم قدوم أسراب البعوض الزاحف الطائر ليملأ أنفاسه من عفونة هذه الرائحة، وهم في طريقهم لاختراع عطورات من هذا النوع لتضليل البعوض واصطياده والتخلص منه.. وأنا شخصيا أفكر في إمكانية تبديل جينات هذه الحشرة لتحويل عملها من شفط الدم إلى أكل أشياء أخرى، أو التخلص منها ونسلها الملعون إلى الأبد.. إن قصة البعوض لا يصدقها المرء أنها خلف دمار حضارة روما بالمرض من المستنقعات، وهي التي أفلست الفرنساوي فرديناند دو لسيسبس الذي فتح قناة السويس فملأ من أموالٍ شحم عضديه ليضربه الإفلاس في مشروع باناما الذي هو أسهل من السويس. هل تعرفون من الذي دمر مشروعه؟ إنه الجبار البعوض الضعيف المكار؟ ولم يتمكن الأميركان من فتح القناة واحتكارها 99 عاما إلا بالقضاء على البعوض أولا وقبل كل شيء.