في المسافة القصيرة ما بين الليث إلى مشارف جازان، وبالمقاربة مع مساحة وطني الهائلة، وللأسف الشديد، لا زلت أشاهد ما يقرب من مباني خمسة مستشفيات عصرية حديثة تستعصي ولو على الحد الأدنى المقبول من التشغيل، والسبب الجوهري الوحيد ليس إلا نقص الكوادر الطبية، وخذ بالقياس عشرات المشافي الحديثة الأخرى في بقية محافظات هذا الوطن التي لا تعمل إلا بإمكانيات مستوصفات أو مراكز رعاية أولية متطورة.

لكن الحل الجذري الوحيد في توسعة ورفع كفاءة برامج (البورد) السعودي في كل التخصصات الصحية وفتح قدراتها على مزيد من الاستيعاب مع تطبيق صارم لمعايير التقييم والجودة، خذ في المقابل هذه المعلومة المؤكدة: أصبح من المستحيل بمكان على خريج كلية الطب السعودي الحصول على مقعد قبول في تخصصه في الجامعات الأميركية والكندية لا لنقص في تأهيله على الإطلاق، بل للزحام وطبيعة التنافسية، حين أصبحت تلك الجامعات وبالكاد تغطي نزرا بسيطا من طلبات مواطنها المحلي.

قد لا يعلم البعض أن كندا وبالمثال، تعاني من بطالة ما يقرب من 30 ألف استشاري، وبكل البراهين والشواهد، فإن الحل الوحيد المتاح أمامنا ليس إلا تطوير ورفع كفاءة الاستيعاب لبرامجنا المحلية، وخذ في المثال: أن كل برامج طب العظام لا تدفع في العام الواحد سوى بأقل من 15 أخصائيا جديدا إلى سوق يستنزف في اليوم الواحد ما يقرب من 2500 مريض للتنويم في جسد هيكلنا الصحي الوطني.

وخذ يا عزيزي القارئ - ولو على سبيل التقريب، لأنني لا أملك رقما واضحا بين يدي- أن لدينا مائة برنامج طبي اختصاصي في كل مستشفياتنا الوطنية، نحن إذاً بحاجة ماسة إلى مجرد مائتي طبيب استشاري بقياس عالمي للتدريب والإشراف المباشر على طلاب هذه البرامج مهما كانت العقود وقيمة الفاتورة، لأننا في نهاية كشف الحساب نوفر ولا نخسر.

تقول المعلومة الأخرى، إن لدينا أكثر من ثلاثة آلاف استشاري سعودي من خريجي الجامعات الغربية في شتى التخصصات ذات زمن، ويعملون اليوم في جامعاتنا ومشافينا، ولكن واحدا منهم لا يحصل على إغراء بدل تدريب وتأهيل للكوادر المنخرطة في هذه البرامج، فما هو الدافع لديه حين نطلب منه المشاركة؟ والخلاصة أننا إن لم نلتفت لأهمية هذه البرامج فسنكون في المستقبل المنظور القريب في مواجهة أخطر مشاكلنا الصحية.

قد لا يعلم البعض أن بعض مستشفياتنا من طراز (المئة) سرير تعمل بمجرد استشاريي (جراحة وباطنة) اثنين، وهذه أم الكوارث، وقد لا يعلم كثر أن الحصول على توقيع عقد لاستشاري آسيوي بات مهمة صعبة، لضعف الإغراء من جانبنا، واسألوا عشرات لجان التقاعد، وكل ما أخشاه أننا نبني اليوم خمس مدن طبية وعشرات المستشفيات المتناثرة ثم نجدها مجرد أعشاش للحمام فيما بعد.

وعلى مسؤوليتي – سأختم- : أسرع وأسهل طريقة للتوفير في الفاتورة الصحية الوطنية، ليس إلا الاستثمار بسخاء وإغراء وكرم في هذه البرامج.