طارق عبدالله الجبير


التعالم ظاهرة خطيرة، خصوصاً إذا انتشرت بين المتخصصين في العلوم الشرعية، فبعض هؤلاء الدعاة يحب أن يظهر بمظهر العالم أمام المدعوين، وهو في الأصل غير عالم، وذلك ليكون له احترام وقبول عند الآخرين، وبسبب ذلك نرى المتعالم يقع في أخطاء تسبب نفور الناس من الدعوة إلى الله، خصوصاً أن المتعالم قد يصل به الحال إلى ازدراء غيره من المدعوين والتكبر عليهم، ومن أمثلة ذلك: أن يقول على سبيل تصغير الآخرين: "أنا أطلب العلم من قبل أن تـولدوا"، أو أن يقول لمن يبذل جهده ووقته في الدعوة إلى الله: "أنا أدعو إلى الله منذ كذا وكذا"، تصغيراً لشأن هذا الداعية وحطاً من قدره، أو أن يرى دعاة أو طلاب علم مقبلين على طلب العلم، فيقول لهم قاصداً تصغيرهم والحط من شأنهم: "أنا أحفظ أكثر منكم"، أو أن يصل به العجب والغرور وقلة الحياء مع الآخرين إلى أن يتلفظ عليهم بما ينفرهم من الدعوة وتباعد بينهم وبين التمسك بالشرع واتباع الهدى، مثل أن يقول لهم: "أنا أعلم منكم يا جهلة"، وهذه العبارات وغيرها تسبب نفور المدعوين عن الدعوة، لأن الداعية يتوجب عليه أن يكون في علاقته مع المدعو قائمة على حسن التعامل الحسن، والاحترام المتبادل، والتواضع والدعوة باللين.

وبعد، فلنتعرف معاً على مصطلح التعالم: التعالم على وزن "تفاعل" من العلم، وهو بمعنى ادعاء العلم، والمتعالم: من يدَّعي العلم وليس بعالم. ومعناه: أن يدعي الإنسان العلم وهو ليس بعالم ولم يسبق له أن تلقى العلم عن العلماء، أو أن يكون علمه يسيراً ويدعي العلم الغزير، والتعالم له أخطار كثيرة، فمنها أخطار على صاحبه، وعلى المدعوين، فمن أخطاره على صاحبه في أنه قد يسأل عن المسألة الشرعية، وليس عنده أدنى معرفة فيها، فيجيب جواباً غير متوافق للشرع فيَضل ويُضل. ومن أخطاره على المدعوين أنهم قد يصدقونه فيما يقوله لهم فيحلل ما حرم الله، ويحل ما حرم الله، فيعبدون الله على غير ما شرع.

ولخطورة التعالم فقد ورد التحذير منه في القرآن الكريم في آيات كثيرة، ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.. وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

وللتعالم أسباب كثيرة من أهم تلك الأسباب:

ضعف الوازع الديني عند المتعالم ومحبته للمراء والجدال والخصومات في الدين، الخيانة وقلة الأمانة، قلة الخوف من الله وعدم تعظيمه شرف العلم، والمتعالم يحاول أن يدعي العلم لينال شرف العلم والعلماء، رغبة الوجاهة والشرف بين الناس والاستئثار بالحديث في المجالس، حب الشهرة والظهور وطلب الرئاسة وحب الكبر والتعالي على الناس. اتباع الهوى. وهذا من أعظم أسباب التعالم، فهو يرغب في إضافة بدع إلى الدين أو نزع فرائض من الدين لإرضاء هواه.

وللتعالم عدة مظاهر من أبرزها: التكفير والتفسيق وتصنيف الناس دون دليل شرعي، كما يحدث من بعض الجماعات الآن التي تظن أنها على العلم والتقوى، ظهور كل المخالفات الشرعية بداية من الشرك والخرافات والبدع وانتهاء بأدنى المخالفات الشرعية، الطعن في العلماء. يطعن المتعالمون في العلماء ويشككون بهم، ليفقد العلماء مصداقيتهم أمام الناس، فتخلو الساحة للمتعالمين ويتبعهم الناس، مخالفة المشهور بدون دليل أو بينة أو برهان، الجرأة على الفتيا.

وللتعالم آثار خطيرة من أهمها: تتبع زلات العلماء وهفواتهم، فالمتعالمون يفرحون بتتبع زلات العلماء ويقربون من يخبرهم بزلة أي عالم من العلماء، حمل الشواذ وغثاثة الرخص، وذلك لضعف علمهم الشرعي، الغلط على الأئمة في أقوالهم ومذاهبهم، فمثلاً هم لا يفرقون بين رأي أبي حنيفة في المسألة وبين رأي أصحاب وتلامذة أبي حنيفة، ويعدونهما رأياً واحداً، الخصام والتفرق، لأنهم يسعون لكسب كثرة الأتباع وليس لبيان الحق للناس، لأنهم في الغالب قليلي المعرفة في العلم الشرعي.

وللتعالم نتائج خطيرة على المسلمين وعلى الأمة الإسلامية ومن أهمها: ضعف الأمة الإسلامية، ظهور النزاعات والحروب والخلافات العميقة بين الأفراد، ضعف الدعوة إلى الله، نفور المدعوين من الدعوة إلى الله، ظهور الجهل وتحريف الدين، عدم احترام العلماء وإن علا شأنهم واتسع علمهم.