بمطرقة خشبية عتيقة تسمى "الدماق"، كان الستيني حسن عبدالله يطرق بها إحدى المنتجات التراثية، التي كانت تستخدم منذ 7 عقود بين أهالي المدينة المنورة.

يتنهد حسن كثيرا وهو يتحدث إلى "الوطن" عن عراقة مهنته، التي بدأها وعمره 15 عاما، بسوق العينية في الحي التراثي النموذجي، المقام ضمن فعاليات المدينة المنورة التراثية، ويعتبر السوق قديما في أحد الشوارع التجارية الشهيرة المؤذية إلى المسجد النبوي الشريف قبل دخوله في التوسعات الجديدة، والذي تأسس في عهد الوالي التركي فخري باشا 1337.

هنا في المحل الذي اتخذه حسن وحمل اسم "السمكري"، وهو الاسم الذي اشتهر به أصحاب هذه الصنعة قديما، والذي كان يصنع جميع الاستخدامات المنزلية من "محامس القهوة"، و"تنك السمن والزيوت"، إضافة إلى "جرات سقيا الزرع الصغيرة"، و"صفائح البخور"، هذا عدا أدوات العطارين التي يقوم بتصنيعها لحفظ منتجاتهم بطريقة فنية تنافس فيها الأدوات الصناعية الحديثة. ولم يكتف سمكري التراث بذلك، بل ارتبطت مهنة بسوق التمارين "نسبة إلى التمور"، الذين كانوا يطلبون طلبات خاصة، من العلب النحاسية لحفظ تمور الحجيج التي كانوا يأخذونها هدايا في طريق عودتهم إلى بلادهم. 


سناب تراثي

حينما تسأله عن تفاعل الجيل الجديد من الشباب عما يصنعه من أدوات تراثية، يجيبك بشكل عفوي "يا ولدي لهم زمنهم ولنا زمننا"، ثم يمضي في التأويل، إنهم حينما يأتون إليه يحبون أن يسمعوا منه حكايات سوق العينية قبل 50 عاما.

صحيح أن حسن لم يستطع أن يقنع أبناءه بممارسة حرفته، إلا أنه نجح من خلال شغفه بها، في تداول مقاطعه المرئية واسمه في "سناب شات"، ولكن بطريقة تراثية، فلا يكاد يمضي يوم، إلا وتجد شهرته تتسع يوما إثر يوم، من خلال إصرار الشباب على تصويره عبر حساباتهم، كما أنه دائما ما يستخدم عبارة ختامية في أي لقطة سناب وهي "هيا تعالوا إلى فعاليات المدينة المنورة التراثية". فالبعد التاريخي في صناعة الأدوات التراثية من قبل السمكرية، فالصفائح كانت تأتيهم سابقا من مصر وبلاد الشام، والتي تتسم بالجودة العالية الرمزية، أما اليوم فاستبدلوها بصفائح "الزنك"، التي تأتي من السوق المحلي، ليعيد هو رسمها وإنتاجها. ربما أن اللافت في حسن، وغيره ممن أصحاب المهن التراثية، أنهم ما زالوا متمسكين رغم الحداثة، بمهنتهم، وهي إحدى لوحات الصمود الممزوج بين أصالة الماضي وحراك الحاضر.




شغف الصنعة

يتجمع حول "العم حسن" يوميا الكثير من الناس، لالتقاط صور تذكارية معه وهو يمارس مهنته، ويقوم ببيع بعض ما خرج من يديه لهم نظير مبلغ رمزي، يحفظ به العمر المتبقي.

حينما يتحدث عن مهنته، تجد أن "الشغف" يرسم ملامحه بين ثنايا كلامه، ولا يهمه ما يدور حوله من تقدم الصناعة، رغم الجلسة الطويلة التي يقضيها التي تمتد إلى أكثر من 10 سنوات. لم يستطع حسن الذي يعمل بيومية ريالين قديما، أن يورث مهنته لأبنائه، أو يقنعهم بها، ربما يعود ذلك لعنصر الحداثة بعالم الصناعة، ورغم ذلك، فما زال إلى اليوم يحتفظ بزبائنه القدامى.