تقترب مجلة "شعر" اللبنانية من عامها (الستين)، منذ صدور أول عدد منها وتوقفها النهائي عام 1957، بعد أن لعبت دورا مهما في تشكيل أفق الحداثة الشعرية العربية، وتحديث الخطاب النقدي، وقد كانت المجلة مدار البحث الطويل والمضني الذي قامت به الباحثة (ساندي أبوسيف) التي تمنت أن تكون دراستها إضافة ذات قدر للدرس النقدي، لا سيما ذاك البحث الذي يركز على إرهاصات الحداثة وبداياتها، وأعلام من قادوا هذه التوجهات في النقد العربي، ولكن الباحثة رغم موضوعيتها واتزانها إلا أنها نأت ببحثها عن الخوض في منطلقات المجلة الأيدلوجية، وما حام حولها من شبهات واتهامات، وما اختبأ وراء النصوص من توجهات كاصطدام المجلة بـ(جدار اللغة) كما يقول (يوسف الخال) وعلاقتها بالحزب القومي السوري الاجتماعي، والصراع الحاد بين مجلة (الآداب) بخطابها القومي ومجلة (شعر) بخطابها الليبرالي ودعوتها (للقيام بثورة جذرية) وتمرد وتخطٍّ، استتبع ذلك انطلاقها نحو تغيير عالم الإنسان العربي وواقعه وحياته وتاريخه، تغييرا حقيقيا للخروج من الواقع المتأخر، كما تقول هيئة تحرير المجلة، ولكن الباحثة تؤكد أن التلويح بهذه المهمة التغييرية وبهذا الشكل المباشر لا ينسجم مع واقع الحياة العربية الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت، ولا مع أي مجتمع تجذرت فيه مفاهيم متناقضة، لا سيما إذا كانت قيادة هذا التغيير تنبثق من رؤى غير منسجمة مع الواقع الذي تنوي تغييره، مما زج بـ(شعر) في معركة خلافية تجاوزت القضية (الفنية) إلى الصراع الأيدلوجي، ولكن العامل الأبرز في عزل مجلة (شعر) عن محيطها وموتها لاحقا، وظهور العناوين الكبرى المسببة لغيابها ودفنها، كما أيقنت به من خلال البحث الواسع الذي قامت به (أبوسيف) هو تلك الخلافات والانقسامات التنظيرية والفكرية والتراشق العاصف بين (يوسف الخال) و(أدونيس)، من حيث (الهوية واللغة) فأدونيس يرى أن لا هوية له خارج الهوية العربية، والخال أعلن انفصاله عن العرب ووقوفه على ضفة أخرى، جاء ذلك في رسالة بعث بها أدونيس إلى الخال يقول فيها: (الحياة العربية منذ سقوط بغداد بين يدي هولاكو تحولت هي نفسها إلى سقوط مستمر، أنت تتخذ من هذه الظاهرة دليلا على سقوط العرب، أما أنا فأتخذ منه على العكس دليلا على نهوض العرب، وأعلن ارتباطي الكياني بهم وجودا ومصيرا، أنت لا ترى من العرب غير الذين سقطوا وأنا أرى العرب في نفسي)، وفي (اللغة) يعتقد الخال أن اللغة العربية في شكلها الفصيح السائد لم تعد قادرة على مواكبة الحركة الضخمة في الحياة وفي الثقافة، ويرى أنها سبب الضحالة في الإبداع العربي، بينما يرى أدونيس أن اللغة لا تعيق الإبداع أو التقدم أو تحققهما، والعكس هو الصحيح، العقل هو الذي يعيقهما أو يحققهما.