لن يهدأ بال لملالي إيران الجدد حتى يستكملوا خريطة الطريق الفارسية التي وضعوها سلفاً لاستكمال مسلسل تمزيق العرب، الحلم المريض الذي تسعى من خلفه قوى الشر الفارسية الصفوية لفرض هيمنة دولتهم على المنطقة، الأمر الذي يتحدث به ملالي إيران وأبواقهم في كل مناسبة، وتتناقله عنهم وكالات الأنباء وفي مقدمتها وكالة الأنباء الفارسية نفسها.

وليس أدل على سيناريو التمزيق الإيراني المعد سلفاً لكل ما هو عربي مما نشهده منذ أعوام مما يحل بكل أرض يضع عملاء إيران وذيولها أقدامهم فيها، ومن الشواهد على ذلك ما حل بلبنان، البلد العربي الجميل ذي الطبيعة الساحرة، والبشر الرائعين، لبنان الذي كان متنفساً استثنائياً لأبناء الأمة العربية، لبنان الذي كان رئة خضراء رائعة الأجواء وقِبلة للباحثين عن الجمال والنقاء، لبنان التي نجحت ذيول إيران في أن تجعل منها بقعة احتراب مذهبي، بل احتراب ديني، بعدما نجحت دولة الملالي في أن تزرع فيها سرطان ما يسمى زوراً وبهتاناً بحزب الله، هذا الورم الخبيث الذي ضرب جسد لبنان، فجعل منه ميدان حرب مفتوحة، ما تكاد تهدأ لها نيران قبل أن تبدأ أخرى، حتى أصبح لدينا لبنان اليوم، وطن ينشد الاستقرار منذ عقود، لكن ذيل إيران في لبنان يحول دون هذا الاستقرار، لأن انعدام هذا الاستقرار هو الهدف الأول لوجود هذا الذيل الإيراني على أرض لبنان، حتى يبقى لبنان في حالة انقسام ديني ومذهبي وعرقي، يفتقد لأدنى مقومات الأمن والحياة الطبيعية التي تجعل الشعب اللبناني المحب للحياة يجدها على أرض وطنه، بدلا من تنقيبه عنها في البلاد في رحلة اغتراب طويلة، جعلت من أبناء لبنان ضيوفاً على كثير من مدن العالم إلى أن تستقر بلادهم، بعضهم يعيش على هذا الأمل حتى اليوم، وبعضهم فقده، فقرر الهجرة إلى الأبد، والتخلي عن جذوره التي لا سبيل إلى العودة إليها في وطن ابتلعه ما يسمى بحزب الله، وفرض عليه هيمنة إيران التي يصرح ملاليها في أكثر من مجلس بأن عاصمتها بيروت أصبحت إحدى العواصم التابعة لدولة الملالي!

ولم يعد خافياً على أحد داخل لبنان أو خارجها مخططات ذيل إيران المسمى زوراً "حزب الله" يراهن على وضع يده على مؤسسات الدولة اللبنانية بواسطة سلاح الاغتيالات التي كان الحزب يجهض من خلالها أي أمل للاتفاق بين فرقاء لبنان، فما تريده إيران حالياً واضح كلّ الوضوح، إما رئيس في جيبها، وإمّا الإتيان بنائب لرئيس الجمهورية، ذي صلاحيات تنفيذية واسعة محدّدة، ينتمي إلى أيديولوجيتها، ويؤمّن الوجود الثابت لطهران بشكل شرعي. وقد لا يعود هذا الوجود الإيراني في لبنان مقتصراً عندئذ على سلاح لميليشيا مذهبية ذات دور يتجاوز الحدود اللبنانية فقط، بل يصبح هذا الوجود جزءا لا يتجزأ من التركيبة السياسية للبنان مع ما يعنيه ذلك من تغيير لطبيعة البلد بدءا بتحوله أرضاً معادية لكل أهل الخليج، كما الوضع الآن، ولكل ما هو عربي في المنطقة.

يقول الكاتب والصحفي اللبناني سعد محيو عن المتغيرات في السياسة اللبنانية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي يعلم الجميع ضلوع حزب الله وإيران من ورائه فيه: "النفوذ السوري زال تقريباً من لبنان وحلّ محلّه النفوذ الإيراني، إضافة إلى تعميق علاقة لبنان بأزمات الشرق الأوسط"، مؤكداً أن "مستقبل لبنان انضم أيضاً إلى المستقبل السائد في المنطقة، بسبب وجوده في المحور الإيراني الداخل في مجابهة عنيفة مع القوى الإقليمية الكبرى المتنازعة على طبيعة النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط". وخلص محيو إلى أن "ربط مصير لبنان بالمصير الإقليمي الإيراني سيجعل البلد معلقاً بمصير هذا المشروع سلباً وإيجاباً، حرباً وسلماً".

في ضوء هذه الحقائق يمكننا تفسير امتناع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، عن التصويت على القرار الذي أصدره وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماعهم الطارئ في القاهرة، أخيراً، حول دعم السعودية في مواجهة إيران.

لكن الذي يلفت النظر بحق في تبرير موقفه هذا قوله "لقد تشعب الموضوع إلى أكثر من ذلك.. الاشتباك الإيراني- السعودي والاشتباك الكبير في المنطقة أدخلانا في أمور ثانية. فلبنان أخذ قراره الحكومي في الابتعاد عن هذه المشاكل، واعتماد سياسة النأي بلبنان عن هذه الأزمات، وهذا ما حصل اليوم، من دون أن نعطل الإجماع العربي اليوم، والتضامن العربي"!

ثم تسقط ورقة التوت عن وزير خارجية لبنان بقوله "لقد نجحنا ثانية، في الحفاظ على وحدتنا الداخلية، دون التخريب على الإجماع العربي، ولذلك فإن لبنان امتنع عن التصويت، في قرار الوزراء العرب، ونأى بنفسه عن الأمر. أما في البيان الذي ذكر حزب الله اللبناني، وربطه بأعمال إرهابية، فطالبنا بإزالته واعترضنا على هذا البيان"!

إن أحداً في لبنان لا ينأى اليوم بـ"حزب الله" عن الإرهاب إلا أحد أفراده أو أحد ذيوله، وإن كان يحق لأحد أفراد "حزب الله" أن يكون له موقف مناهض للمملكة بحكم هوية الحزب المذهبية وهو صنيعة دولة الملالي وظلها في لبنان؛ إلا أنه عار كبير على وزير خارجية لبنان أن يصرح بمثل هذا التصريح، لأسباب يضيق المقام الآن عن ذكرها، ولعلنا نسردها لاحقاً.