قرار أن من حق أولياء أمور ثلاثة طلاب بالإضافة إلى مجلس المدرسة نقل معلم ما يقل أداؤه عن 85 درجة، من وجهة نظري قرار مجحف بحق المعلم، لأنه مرتبط بدرجات الأداء الوظيفي من جهة، وهي بيد القائد (المدير/ة) ويدخل فيها كثير من المحاباة أو ربما الاستعداء؛ كما أن هناك قرارا سابقا يجعل ارتفاع درجات أداء المعلمين سببا في انخفاض أداء القائد! وكأن الأمر تحريض للقائد على خفض أداء المعلمين! ومن جهة أخرى تدخل أولياء ثلاثة أمور في تقرير مصير معلم ونقله نقلا تأديبيا يجعل المعلم أشبه بالعامل على كفالة الطلاب!

ما قيمة 85 درجة، بل ما قيمة أولياء أمور ثلاثة طلاب؟! وماذا لو قرر أولياء بقية الطلاب أنه صالح للتدريس وتم اختيار ثلاثة عنصريين أو أولياء طلاب مشاغبين أو غير مؤهلين لاتخاذ قرار كهذا؟!

ولماذا اشترط ألا يترتب على النقل الاحتياج لمعلم بديل وألا يكون هناك نقل لأكثر من معلم في العام الواحد؟!

أسئلة تدور بالذهن نستخلص منها أن من أخذ أكثر من 85 درجة فهو آمن؛ ومن وجد في مدرسة لا بديل له فيها فهو آمن؛ ومن كان في قرية نائية فهو آمن؛ ومن كانت علاقته بأولياء أمور طلابه علاقة قرابة ومحسوبية فهو آمن أيضا!

أولياء الأمور تهمهم درجات أبنائهم ولن ينقلوا معلما كريما بالدرجات أبدا؛ فالقضية ستصبح محسوبية!

قبل سنوات أذكر قصة معلمة بديلة منحتها مديرة مدرسة أقل من 90 درجة بنهاية العام وثارت ثائرتها وبقيت طيلة ذاك اليوم تتردد على المديرة وتسأل كل من تقابل حتى المراسلة عن درجات أدائها، وتعود لتحاسب المديرة؛ المهم انتهى الأمر بها في منتصف النهار، وقد غيرت قرار المديرة لتمنحها الامتياز، ولم تكتف قبل نهاية اليوم إلا وقد أوصلته بنفسها إلى درجة 95 أو 96 تقريبا!

كانت حجتها أنه لن يتم التعاقد معها أو تثبيتها بأداء منخفض؛ وكان تعليق المديرة: يعجبني الإنسان الذي يجيد المطالبة بحقه!

أوردت القصة كنموذج على أن الأداء الوظيفي يخضع لاعتبارات وتقدير غير منطقي منها عند المعلمات المحاسبة على الزي والعلاقة برؤساء العمل والعلاقة بالزملاء والعلاقة بأولياء الأمور التي تأتي تعاميم لتؤكد عليها وأخرى لتحذر منها وتنال درجات في تقدير المعلم/ة!

قبل أمس قصة أوردتها صحيفتنا الوطن عن معلم يقتل سبعة أشخاص بإدارة التعليم، خبر شنيع لا نعرف تفاصيله لكن يحمل رسالة مخيفة عن السوء الذي وصلت له العلاقة بين بعض المعلمين وإدارات التعليم التي يتبعون لها!

وهذا الخبر لم يحدث حين شرعت في كتابة المقال، لكنه نموذج عارض ونادر، ولله الحمد، لكنه يثبت ما آل إليه وضع بعض المعلمين حتى وصلت لغة التفاهم إلى القتل ولا حول ولا قوة إلا بالله، ورحم الله الضحايا.

كلما سألت معلمة متقاعدة تقاعدا مبكرا عن سبب تقاعدها والفرق بن العمل والتقاعد وجدت أنها تعلن أنها تحولت إلى إنسانة سعيدة، لأنها ارتاحت من ضغوط العمل التي لم تعد باستطاعتها مواكبتها، خاصة مسألة (الاستراتيجيات) وما يرافقها في السنوات الأخيرة من تأكيد على تطبيقها.

وسألت مساعدة تعمل في مدرسة عن كيف نظرتها للتعليم؟ فقالت أصبحت أطبق ما أقتنع به.. وسألت معلمات نفس السؤال فقالت معلمة مادة علمية إن مشكلتي مع الاستراتيجيات أنها لا تناسب مادتي العلمية، لأن المادة العلمية صعب توصيلها عن طريق الاستراتيجيات؛ وقالت معلمة عربي تدرس مرحلة الصف الثاني العلمي: إن مقرر اللغة العربية هذا الفصل بعيد تماما عن طبيعة المقررات التي تخصصنا بتعليمها، فهو يدور حول المنطق والكتابة العلمية والاتصال، ويفتقد كل ما يمت لتخصصنا.

معلمة أخرى قالت: إنها تفتقد طالبات يملكن دافعية للتعلم، وهذا برأيها أكبر مشكلة تواجهها اليوم.

وأيضا معلمة أخرى أشارت إلى أن المباني المدرسية الحالية تفتقر إلى المطلوب من التعليم اليوم.

وأجمعت أكثر من معلمة على أن فكرة الإلحاح على تطبيق الاستراتيجيات الجديدة في التعليم تحول إلى هاجس وهم يلاحقهن، خاصة أن التعليم بالطريقة التقليدية لا يخلو من استراتيجيات.

في نهاية المطاف تحول التعليم عند كثير من المعلمين إلى ورطة بين الحيرة في البحث عن طريقة تدريس توافق الطرق الحديثة التي يطالب بها المعلم؛ واحتساب للسنوات الباقية للتقاعد؛ أو ملاحقة السنوات غير المحسوبة على البند أو في محو الأمية أو التعليم الأهلي؛ كما أن هناك قناعة عند بعض العاملين والعاملات في القطاع مفادها بأن ما يحدث من ضغط على المعلم يراد به التخلص من أكبر عدد من القدامى لإحلال معلمين جدد.

الفجوة كبيرة وتزداد اتساعا بين المخططين للتعليم والمنهج والمعلم والمخرجات من الطلاب التي يغلب عليها الضعف ولا مشاحة فيها؛ تصب جام الغضب على المعلم، والمعلم ألقي في يمّ الاستراتيجيات وغياب الدافعية وكثرة الطلاب ونصاب 24 حصة وسوء المباني.

دعوني أختم باعتراض شخصي من منطلق لغوي بحت، وهو استمرار التأكيد على كلمة (استراتيجية)، وهي كلمة إنجليزية لماذا لا تعتمد الوزارة مفردة عربية كطرق تدريس أو التخطيط للدرس، ما قيمة الإصرار على استخدام هذه المفردة التي أصبحنا نستخدمها في مدارسنا أكثر مما يستخدمها الإنجليز ذاتهم؟!