لأن أطفالنا هم أكبادنا تمشي على الأرض، فإن من واجبنا الإنساني أولاً والوطني ثانياً أن نحرص على رعايتهم والاهتمام بهم كي ينشؤوا النشأة الأمثل. والمثل الذي حفظناه منذ نعومة أظفارنا «العقل السليم في الجسم السليم» لن يتغير ولا أكون مبالغاً إن ادعيت أنه سيبقى ويواكب كل التطورات العلمية على مدى الأجيال.

لن أتكلم هنا عن دور التربية السليمة في تنمية الفكر وتحقيق التوازن النفسي في مختلف مراحل نمو الطفل، لكنني سأركز على موضوع التغذية السليمة وبشكل خاص للطفل خلال الأشهر الست الأولى من حياته.

يعتبر حليب الأم هو الأفضل والأمثل لنمو الطفل الجسدي وتطوره العقلي والروحي، فهو الغذاء الكامل والمتوازن للطفل الرضيع، يخرج إليه معقَّماً، دافئاً وجاهزاً في الوقت وبالكمية والنوعية المناسبة لحاجته وعمره. وبذلك فهو يتفوق بكثير على الحليب البقري الذي تصنّع منه معظم أنواع حليب الأطفال الصناعي.

أظهرت الدراسات أن مكونات حليب الأم من البروتين والدهون والسكاكر تتغير نسبها مع مرور الأيام والأسابيع والأشهر لتتوافق مع نمو الطفل وحاجاته. ففي الأيام الأولى بعد الولادة يفرز ثدي الأم المرضع نوعاً مميزاً من الحليب أصفر اللون كالذهب يسمى «اللبأ» كميته قليلة، لكنه يتفرد بتركيبة مميزة عالية البروتين تناسب الطفل الوليد في هذه المرحلة الانتقالية المهمة في حياته.

تتزايد كمية حليب الأم بالتدريج مع تقدم عمر الطفل، حيث يعتمد الوليد في البداية على الرضعات المتكررة المتقاربة في الليل والنهار، وبمرور الأيام والأسابيع يحدث تناسق وتواؤم عجيب ورائع بين الأم ورضيعها حين تعرف الأم وتشعر بطفلها وحاجته للرضاعة حتى قبل أن يبكي.

للرضاعة الطبيعية بشكل عام ولحليب الأم بشكل خاص فوائد أخرى مهمة للطفل والأم، فهي تقوي مناعة الطفل وتمنحه الوقاية من كثير من الأمراض وبعض أنواع التحسس التي قد تصيبه مستقبلاً، وفوائدها للأم مهمة في عودة الرحم إلى طبيعته بعد الولادة مباشرة وفي تعزيز صحتها ورشاقة جسمها. وأما الدفء والحنان وعمق الصلة بين الأم وطفلها، فتلك التي لا تقدر بثمن ولن تكفيها الكلمات.

لقد أرشدنا ديننا الحنيف قبل أكثر من أربعة عشر قرناً إلى الفطرة السليمة والتغذية القويمة في قوله تعالى «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ»، وحسبُنا هذه القاعدة الربانية من خالقنا الذي هو أدرى بما ينفعنا وهو الذي أمرنا بالقراءة والبحث والتفكر لنجد المنافع العظيمة لحليب الأم والرضاعة الطبيعية للأم وطفلها.

وفي نفس الوقت لا ننسى «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» فهناك حالات صحية طبية عند الأم أو الطفل قد تحول دون الإرضاع الطبيعي.