منتدى جدة الاقتصادي من المنتديات المهمة التي تناقش قضايا اقتصادية مهمة، وتخرج بتصورات واقتراحات تسهم في وضع لبنات في بناء اقتصاد الوطن، ولهذا استمر هذا المنتدى لسنوات عديدة في ظني بناء على تقييم على أدائه.

والذي نعرفه جميعا هو أن يكون العمل في أي مجال في كل عام أفضل من العام الذي يسبقه بناء على الخبرات التي تكتسب كل عام، والذي نعرفه أيضا أن يكتسب المشاركون فيه من أبناء هذا الوطن خبرات عميقة خلال السنوات التي مر بها المنتدى، انطلاقا من سياسة الوطن التي تركز على توطين الخبرات وبنائها واستثمارها، فلن يفيد الوطن بالشكل الذي يطمح له وقيادته أكثر من أبنائه الذين يعيشون فوق أديمه ويستظلون سماءه ومصيرهم مرتبط بمصيره.

هذه مسلمات وبديهيات نعرفها جميعا تمام المعرفة، وخلال السنوات العديدة التي مضت على هذا المنتدى يفترض أن يكون معظم من خطط له وأدى جميع الأدوار فيه من محاضرات وورش عمل ولقاءات ومناقشات هم سعوديون يمثلون الجامعات السعودية الحكومية الـ25 والتسع جامعات الأهلية.. وقلت "معظم" ولم أقل "كل".. لأنه لا مانع من استضافة (بعض) الخبرات الأجنبية من مبدأ تلاقح الأفكار وتبادل الخبرات.. ولقد فوجئنا أن المنتدى ربما تجاهل الـ34 جامعة سعودية بكل خبراتها وأساتذتها الأجلاء وعلمائها الأفاضل، وذهب لكلية (إنسياد لإدارة الأعمال) و(منظمة رواد الأعمال العالمية).. وليس لدي مبرر واحد يبرر تجاهل جامعاتنا وأساتذتنا وعلمائنا الذين يعرفون مشاكلنا تمام المعرفة.. والذين هم الأكثر معرفة بالمجتمع وكيفية التعامل معه.. والمعروف والمتفق عليه أنه لا يمكن أخذ أي نظام أو تجربة من مكان وتطبيقها بحذافيرها في مكان آخر.. هذا من المسلمات والبديهيات.

وهنا أستحضر قصة أوردها الدكتور محمود سفر في كتابه "التنمية قضية"، إذ قال إن وفدا من إندونيسيا زار ألمانيا وأعجب بالنظام الاقتصادي هناك.. وطلب الوفد من الحكومة الألمانية أن تبني لإندونيسيا نظاما اقتصاديا (مثل) النظام الألماني.. واستجابت الحكومة الألمانية لطلب الوفد الإندونيسي وأرسلت وفدا إلى إندونيسيا.. وقام هذا الوفد ببناء نظام اقتصادي في إندونيسيا، متجاهلين الفروق بين المجتمع الألماني والمجتمع الإندونيسي، وعُمل النظام وحاول الفريق الألماني لفترة أن يدفع هذا النظام للنجاح إلا أنه بعد فترة من المحاولات فشل الوفد الألماني في إنجاح نظام ألماني في مجتمع مختلف هو مجتمع دولة إندونيسيا، وكما قال الدكتور سفر عاد الوفد الألماني يجر أذيال الخيبة والفشل.. هكذا هو الأمر.

إذاً، فهناك في ظني خللان: الأول: هو تجاهل الجامعات السعودية والخبراء السعوديين في هذا المنتدى بعدم إعطائهم الأولوية في المشاركة الفاعلة، ولا مانع من مشاركة غير طاغية لخبرات أجنبية أخرى. والأمر الآخر.. استغرب أيما استغراب أن نجلب خبرات أجنبية قامت ببناء نظامها ونظرياتها وأخذت تجاربها من مجتمعها للمشاركة وحل مشكلات اقتصادية في بلادنا التي يختلف مجتمعها كل الاختلاف عن تلك المجتمعات.

ومن هنا يأتي اقتراحي للعاملين في المنتدى أن يستفيدوا من هذه التجارب الواقعية من جامعاتنا السعودية وأساتذتنا السعوديين وخبرائنا السعوديين.. ولا نعجب بنظام ناجح في بيئة غريبة عن بيئتنا ثم نطبقه ونكتشف بعد ضياع الوقت الطويل والجهد والمال أننا أمام تجربة مستوردة بالكامل وفاشلة. الوقت سيكشف لنا ذلك بكل وضوح. أنا أحذر بما وقفت عليه من تجارب واضحة في رابعة النهار من استيراد تجربة فرنسا أو أميركا أو غيرهما من التجارب ثم نطبقها بحذافيرها في بلادنا. نحن لا نعمل في نفق ضيق سيسأل المجتمع عن النتائج.. ولهذا فكل التجارب تعرف نتائجها ومدى نجاحها.

خلاصة القول: أنا هنا أذكر وأخبر بأن تطبيق تجارب من مجتمع بحذافيرها في مجتمع آخر لن تنجح، ومتأكد بشكل لا يقبل الجدل إن نحن انتهجنا طريق اختيار تجارب من الخارج، مهما كان نجاحها، وطبقناها بحذافيرها في بلادنا، أن مصيرها الفشل. وأقول للقائمين على المنتدى ولوزارة الاقتصاد والتخطيط أن يحدوا من اعتمادهم على الأجنبي، سواء كان ذلك الأجنبي مؤسسة أكاديمية أو مركز أبحاث أو حتى أفراد.. أقول هنا الاعتماد عليه حتى لا نخلط الأوراق.. مشاركة الأجنبي بخبراته كمشارك فقط لا كقائم بكل المهمة.. مشاركته من مبدأ تلاقح الأفكار وتبادل التجارب مهمة.. لكن الأهم هنا هو أن لدينا في المملكة العربية السعودية جامعات عريقة وخبراء وأساتذة يستطيعون القيام بأي منتدى ويستطيعون إدارة أي مؤتمر، ويستطيعون القيام بمشاركات فاعلة في الحوارات والقيام بمحاضرات وورش العمل على أعلى مستوى.. فلماذا نلجأ إلى الأجنبي للقيام بكل ذلك؟ تجربة الأجنبي لا تنطبق على مجتمعنا بحذافيرها، وسيكون مصيرها الفشل إن نحن اعتمدنا عليها، والوقت كفيل بالشهادة، فلا قول بدون شواهد وأدلة وبراهين.. والذي يريد أن يثبت العكس عليه التقدم بشواهد وأدلة وأرقام لا بكلام بليغ أو قصص جميلة.