لبنان هذا البلد الصغير جدا هو بلد المليون زعيم، وبلد المليون حزب والمليون قائد والمليون ولاء.

تحول لبنان منذ ما بعد الاستقلال وطواقمه السياسية الطائفية "موارنة، سنة، شيعة، دروز" إلى منطقة تجاذب من كثير من دول الجوار والدول الكبرى حتى أصبح لكل طائفة سياسية زعيمها الذي يعرض ولاء طائفته أو حزبه في المزاد، تارة صوب الشرق، وأخرى تجاه الغرب، ومرة يرفعون قميص القضية الفلسطينية، ومرة الناصرية والقومية، لكن هذه التجاذبات تضطرم في مرجل النزاعات، وقد عانى لبنان كثيرا من اللأواء بسبب ذلك، حتى جاء اتفاق الطائف الذي أطفأ جمرة الحرب الأهلية، وخلق حالة من التوافق وتقاسم السلطة.

لكن إيران التي سيطرت على لبنان بالوكالة، خلال حزبها الطائفي الذي تدعمه حتى استمر هذا الحزب ينمو ويتوسع ويسيطر على مفاصل الدولة ويوسع ولاءاته، إما عن طريق الترغيب أو بواسطة الترهيب، حتى دان له هذا البلد بكل جهاته، وأصبح يتحكم في مصائره، ويحرم على الجميع انتقاده، والحيلولة دون تنفيذ مخططاته وأجندته، وكل ذلك بحجة "المقاومة". ومن هنا، فقد تخاذلت الرئاسة والحكومة عن مصادمة حزب الله، حتى لا تقع تحت طائلة الخيانة أو إعاقة الممانعة ومواجهة العدو الإسرائيلي الشيطان الأكبر.

ولهذا، فقد صادر حزب الله إرادة الدولة اللبنانية، وأصبح يبطش بيمينه وشماله، وكان يعمد إلى أساليب التهديد والتخويف لأعضاء الحكومة اللبنانية ورجالاتها، ومن لا يرتدع أو يرتهن لإرادة هذا الحزب فإن مصيره أن يُمحى من الأرض، وقائمة من اغتالهم الحزب حاشدة وحافلة بالوطنيين الذين واجهوا هذا الحزب الفاشي بالاعتراض والاختلاف، فكان الموت مثواهم.

لقد جاء قرار المملكة بوقف مساعداتها وتسليحها للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، ليكون بردا وسلاما على صدور المواطنين الذين ارتفع مؤشر كرامتهم وهم يرون الدولة، رعاها الله، ترد على بعض تجنيات وجحود هذا الوطن المختطف، والذي يرتهن في قراراته ومصائره إلى ميليشيا حزبية إرهابية، فيما كل أطياف السياسة ورجالاتها اللبنانيين يعلمون حجم تورط هذا الحزب وأعوانه من العملاء في كثير من التفجيرات والاغتيالات، وإشعال الحرائق والفتن في كل حدب وصوب.

لقد سعت المملكة طوال عقود إلى حلحلة المشكلات التي تعصف بهذا البلد، وسعت قدر الإمكان إلى حمايته من الاستقطابات والتجاذبات التي تشده إلى صفها، حتى صار لبنان مُوزعا في ولاءاته، ولا يصدر في قراراته عن إرادة الشعب اللبناني، بقدر ما يرضخ لرغبات المسيرين من خارج لبنان، والذين لا يريدون إلا جعل لبنان رهينة وساحة لتنفيذ المشيئات والرغبات المتوغلة في الإجرام والإرهاب.

إن قرار المملكة ليس إلا رسالة إلى المواطنين اللبنانيين، وإلى المخدرين منهم بأدخنة الخوف والرهبة، ليطردوا عنهم هذه القتامة السوداء، ويفتحوا أعينهم على مصلحة وطنهم البعيدة عن مشيئات الآخرين، وأن يصبحوا هم سادة قرارهم.

رسالة المملكة إلى لبنان والى كل اللبنانيين مفادها، أن يزيلوا الغمامة عن عيونهم، ويبصروا طريق الاستقلال والكرامة أمامهم، كي يعرفوا عدوهم من صديقهم، وكي يتمكنوا بدعم المخلصين من استعادة وطنهم المختطف.