البروفيسور فلب ألت باك Philip Altbach رئيس مركز التعليم العالي في جامعة بوسطن شارك عدة مرات في مؤتمر التعليم العالي بدعوة من وزارة التعليم العالي سابقا. وبعد لقائي به قبل أربع سنوات أثناء مشاركته في وضع برنامج المؤتمر، تحدث كعادته بشفافية وموضوعية عن التعليم العالي السعودي، ونقد بشكل كبير الاهتمام من قبل جامعاتنا بالتقارير المأجورة، كما يسميها في الندوة التي تحدث فيها في مؤتمر التعليم العالي بحضور عدد كبير من المشاركين في المؤتمر ومن بينهم مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وقد تطرق لسياسة الأرقام التي تستخدم في عرض ما تم التوصل إليه في مؤسساتنا التعليمية العليا ومنها الابتعاث دون الحديث عن النوعية والجودة والبحث العلمي التي تعد من أهم منتجات مؤسسات التعليم العالي.

 البروفيسور فلب ألت باك هو شخصية عالمية ومستشار لدى الكثير من الدول والمؤسسات التعليمية في العالم وهو متخصص في التعليم الدولي المقارن ومطلع على سياسات الدول وخططها ومشاريعها التعليمية، ويكفي لمن يرغب في معرفة هذه الشخصية العالمية أن يدخل علىCenter for International Higher Education مركز التعليم العالي الدولي بجامعة بوسطن الأميركية ليطلع على الكم الهائل من الدراسات والأبحاث عن مؤسسات التعليم العالي وقضاياها المختلفة حول العالم. وقد أبدى البروفيسور فلب تقديره للمملكة العربية السعودية بعدم السماح للجامعات الأجنبية بفتح فروع لها في المملكة لما لذلك من تبعات سياسية وتعليمية واقتصادية وثقافية، بالإضافة إلى التأثير السلبي على تطور التعليم العالي الوطني وتقسيم المجتمع بين أبناء الذوات ممن يدخل مؤسسات التعليم العالي الأجنبية وبين من يدخل الجامعات الوطنية والأهلية. وإن هذا سوف يؤدي إلى تعاون بين الجامعات الأجنبية والشركات لاستقطاب مخرجاتها التعليمية بينما ينضم خريجو جامعاتنا الوطنية والأهلية إلى قافلة البطالة وبالتالي تهديد الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية. والبروفيسور ألت باك له خصوم في الغرب لأنه ضد فتح فروع للجامعات الأجنبية في الدول لما لذلك من سلبيات تفوق الإيجابيات وتنتج عنها تبعية تعليمية في داخل الدول يصعب التخلص منها في ظل المتغيرات التاريخية، وهي ضمن ما يسمى بالاستعمار الحديث، حيث توجد مؤسسات أجنبية على التراب الوطني تقدم مناهج وخططا دراسية لا تلائم المجتمع، وهي أيضا عبارة عن مراكز أبحاث لرصد تحولات المجتمع وتغيراته والتدخل في المستقبل في أوضاعه المختلفة.

 ونحن نحذر من فتح هذه الجامعات التي لا مبرر لها، ومن يرغب في إصلاح التعليم العالي وتحسين مخرجاته عليه بوضع خطط دراسية وبرامج وسياسات وطنية وإدارة صارمة لديها رؤية تعليمية ناضجة لتنتج له ما نبحث عنه من خريجين ومخرجات. ولكن دخول الجامعات الأجنبية كارثة على الوطن خاصة وأنها ستكون مرتبطة إداريا وماليا وعلميا وغيرها بدولها الأجنبية، ولن تقبل بأن يتدخل أحد فيها، وخاصة أن الجامعات الأجنبية تعمل وفق مسلمات ثلاثة، الاستقلالية، والحرية الأكاديمية والمسؤولية، ولن تضحي بسمعتها وتاريخها من أجل البلدان التي تعمل بها، وليس من حق الدولة التي تفتح فيها الفروع التدخل في محتواها الدراسي وأساتذتها وسياساتها التعليمية. وقد يؤدي ذلك إلى مشكلات بين الدول نتيجة ما قد ينتج عن تلك الجامعات من مشاريع سواء كانت بحثية أو مقررات لا توافق الوضع الداخلي لتلك الدول، وقد اضطررت لكتابة هذا المقال بعد قراءة مقال مهم للدكتور فلب ألت باك تطرق فيه إلى عدم نجاح تلك التجارب في الدول الأخرى، فكيف ستنجح في المملكة العربية السعودية؟ ولمن يريد التأكد مما كتبه البروفيسور ألت باك في مقالته المعنونة "هل هناك مستقبل لفروع الجامعات؟" في مجلةinternational higher education - No 65–fall 2011.

نحن نحتاج إلى سياسة واقعية قبل أن نغرق المجتمع في مشكلة الجامعات الأجنبية الغالية ونتسبب في إرهاق مواطنينا، وللأمانة هناك مشكلات كثيرة سببها غياب استراتيجية ثابتة للتعليم تستمر مهما تغير الوزراء والمسؤولون في الوزارات والجامعات، والكليات والأقسام. وقد تم هدر الموارد المالية باسم شركات وشراكات أخلت بسياسة التعليم، وستستمر الأوضاع في السوء لعدم وجود برامج لتأهيل القيادات التعليمية وتطويرها. وبكل بساطة يا وزارة التعليم، لا يمكن أن نستمر في التغييرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ونحن لم نباشر المشكلات الأولية التي تتعلق بتطوير مهارات التدريس، وبالتقييم المستمر للمؤسسات التعليمية، ووجود نظام طرد داخلي للتخلص من الكوادر غير المؤهلة. ونحن لدينا كفاءات رائعة ولكن لا يوجد قيادات تحمل رؤية ومعرفة علمية وقدرة على التخطيط في مؤسساتنا التعليمية، ولهذا يتم اللجوء إلى الحلول الخارجية. وإذا كنا نسمع عن استقلال الجامعات فهذا ضرب من الخيال لأن الجامعات المستقلة في الغرب تكون مستقلة ماليا وإداريا ولها مجالس أمناء هم من يشرف على الجامعات، وما دامت الجامعة تعتمد على الدولة في توفير الميزانية ويتم تعيين المديرين فيها فليس هناك استقلالية، وهذا لا يعني أننا لسنا مع استقلالية الجامعات ولكن عندما يتوفر لها الحد الأدنى من أدوات وشروط الاستقلال. وكيف تستقل جامعات في الأطراف لا دخل لها إلا من بقايا جامعات أخرى؟ نحن نحتاج إلى شجاعة لإعادة النظر في منظومة التعليم كاملة ولكن بناء على دراسة موسعة تحدد ما هو متوفر وتضع خططا شاملة يشترك الجميع في تنفيذها وفي أولها إعادة تأهيل أساتذة الجامعات والمعلمين والمعلمات. وقد كتبت عدة مقالات عن حاجتنا لتقييم داخلي سنوي أو دوري لمدارسنا وجامعاتنا بدلا من إغراق الوطن بالمدارس الدولية والجامعات الأجنبية.