يُعرّف برنامج "فطن" على أنه البرنامج الوقائي الوطني للطلاب والطالبات، ليكون جزءا من التوجه الوطني لرفع مستوى الوعي العام للمجتمع عبر التعليم والتدريب ونشر الوعي، ويعد برنامج "فطن" برنامجا وطنيا يُعنى بتنمية مهارات الطلاب والطالبات الشخصية والاجتماعية، ويسعى من خلال خطته الاستراتيجية، والتدريبية، والإعلامية، إلى أن يكون الأول وقائيًّا محليًّا وإقليميًّا.

والأهداف العامة للبرنامج حسب ما جاء في موقعه على الإنترنت -الذي لا يخلو من الأخطاء الإملائية- هو "بناء برامج تدريبية متخصصة في تنمية المهارات السلوكية والفكرية الإيجابية بمحتوى تدريب متطور ومدربين محترفين، وإمداد المجتمع بمواد ثقافية متنوعة لتنمية الفكر والسلوك، والمشاركة الفعلية من قطاعات المجتمع وكافة بأفراده ومؤسساته، إقامة مراكز استشارات للوقاية من الانحرافات الفكرية والسلوكية بخبراء مختصين مؤهلين".

جميلة ورائعة وعظيمة هذه الأهداف وهذه الطموحات التي يسعى البرنامج للوصول إليها، لكن المؤشرات الأولى التي لمستها من خلال ما وصلني وما عرفته شخصيا، يوحي بأن شيئا ما بدأ يؤثر في مسار فكرة "فطن"، هذا البرنامج الطموح كبير الآمال، ويجعله ربما برنامجا قابلا للاختطاف، يتخلى عن فكرته وهدفه الرئيسي من خطواته الأولى، من خلال سيطرة منهج خفي ربما، يحرك أطرافه كالأخطبوط خلف لوحة "فطن" الجميلة، أو ربما توجهات انتهازية.

ومهما يكن هذا المنهج الخفي، فقد لا يكون مقصودا أو مخططا قديما أو جديدا، وإنما قد يكون بقايا من ترسبات وتراكمات فكرية قديمة، ما زالت تمارس شكلا من أشكال السيطرة على العقل الجماعي للمجتمع، بدأت تستعيد تطلعات (صحوتها) مع فرصة فكرة "فطن" النبيلة كمظلة لحركتها، لتعيد من خلاله إعادة إنتاج أفكارها وشكلها، مستخدمة طريقتها في بناء الوعي العام للشارع، ومختزلة كل أهداف وفكرة "فطن" في فكرها وتوجهها، هذه الترسبات القديمة في الغالب لها حراسها وجماهيرها الجاهزة، لتقبل أي شيء وكل شيء ينتمي إلى تلك التراكمات، والمضي معها على نحو ما.

لقد فاجأني أحد المعلمين المتدربين في أبها، على هامش حديث دار بيننا عن الدورة التدريبية التي يحضرها، بما لم أكن أتوقعه على الإطلاق من فعاليات الدورات التي تقام ضمن البرنامج التدريبي، والأخطاء الفادحة التي يقع فيها بعض المدربين، وقدراتهم الضعيفة فكريا وثقافيا، التي لا تكاد تميز بين أفكار البرنامج وأهدافه المستقبلية الكبيرة، من خلال ما كشفه تناولهم الهزيل لبعض القصص والروايات (الخنفشارية) المضمنة في محاضراتهم، وهو ما يعكس حجم القدرات الثقافية الواعية لدى بعض هؤلاء المدربين، وبالطبع سيذهب المعلمون لاحقا إلى فصولهم لينقلوا مثل هذه (الخنفشاريات) التي تُلغي العقل وترمي به خارج قوته وهيبته، إلى العقول الناشئة في مدارسهم، ناهيك عن نقله إلى منازلهم ومنازل جيرانهم، وهكذا تستمر السلسلة إلى ما لا نهاية.

لقد صعقني صديقي المعلم وهو يروي لي قصة الرجل المتوجس من قيادة السيارات، بتحوله فجأة -بقدرة قادر- إلى طيار ينقذ المسافرين ويهبط بالطائرة إلى أرض المطار وهو لا يعرف -كوعه من بوعه- في فنون قيادة الطائرات، بعد وفاة الكابتن -رحمة الله عليه- بسكتة قلبية..! ونسي المدرب أن يتحدث عن مساعد الطيار، هل مات هو الآخر؟!

يُقال إن ما جاء في هذه القصة، هو مثال لإثبات القدرات والمهارات التي تمتلكها، ولا تعلم عنها ولا يعلم عنها الآخرون، لكن العقل يقول؛ طالما حدث الأمر بمساعدة وتوجيه من برج المطار، فعن أية مهارات وقدرات ذاتية يتحدثون؟

من الواضح أن الثغرات التي تعتري مثل هذه القصة كبيرة، ولا تمر على العقل مرور الكرام لكل "فطن"، لكنها تكرس من الداخل إلى قبول الرواية المنقولة، وتقديمها على العقل والتفكير والمنطق والاستنتاج، وتستخف إلى حد بعيد بكيان العقل ومكانته، وتكرس في ذات الوقت فكرة (أغمض عينيك وعقلك).. هكذا!

ثم بعد ذلك يحدثون المعلم عن الوعي الذاتي وتقدير الذات، الأمر هنا في الواقع يشبه (لعب العيال) أكثر من كونه بحثا حقيقيا عن بناء الذات ووعيها وتقديرها، لأننا حينما نكرس في الأدمغة هذه الطريقة في بناء الإنسان، سيكون الناتج بالمقابل عقولا صغيرة تلغي ذاتها لحساب المحدودية والسطحية، وهو ما يتعارض مع أهداف وفكرة وطموح وتوجهات "فطن"، وكل ما أرجوه ألا ينزلق هذا البرنامج الطموح إلى غير أهدافه النبيلة، من خلال التساهل في اختيار المدربين المقتدرين، أو الغفلة عن مراقبة خطواته، لأن "فطن" برنامج مستقبل الوطن وأسراره. فكن فطنا يا "فطن".