تقع مدينة الحديدة على بعد حوالي 250 كيلومتراً إلى الغرب من صنعاء العاصمة، وهي عتبة صنعاء، ومنفذها على البحر الأحمر، وبوابتها على العالم الخارجي، حيث ترتبط معها بأقدم الطرق المسفلتة باليمن، ومن أكثرها ازدحاماً وصعوبة لكونه يخترق جبال الحَيْمَتَيْن الشاهقة، وتحفّ به أودية سحيقة، وشعاب عميقة، وحركة دائبة تأخذك من أغوار تهامة صعوداً عبر جبال السروات إلى صنعاء، وعن طريق ميناء الحديدة تصل إلى صنعاء وغيرها من المناطق الداخلية بضائع الشرق والغرب على حد سواء، وميناؤها من أكثر موانئ اليمن على البحر الأحمر نشاطاً في وقتنا الحاضر على الرغم من أنه لم يكن من الموانئ الموغلة في القديم كميناء المُخَا مثلاً، وحتى مدينة الحديدة نفسها لم تكن من المدن القديمة، فقد قيل إن أقدم ظهور لها كان في القرن الثامن الهجري، وأنها كانت في أول ظهورها مرسى صغيراً لصيد الأسماك، ثم استخدمت مرسى للسفن الكبيرة والصغيرة ابتداءً من سنة 859هـ/1455م، ثم ازدادت أهمية مينائها في سنة 920هـ/1514م، أيام السلطان عامر بن عبدالوهاب الطاهري (ت 923هـ/1517م) آخر زعماء أسرة بني طاهر التي أقامت دولتها على أنقاض دولة بني رسول في عام 858هـ/1454م. (إبراهيم المقحفى، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ج1، ص426). وينقل القاضي محمد الحجري في كتابه: مجموع بلدان اليمن وقبائلها: (ج1، ص250-251) عن بامخرمة قوله إن الحديدة كانت قرية من أعمال وادي سهام المعروف، وكان لغالب أهلها سفن يعانون بها في البحر، ويصف أهلها بأنهم قوم أجواد، وأنهم يعينون الغرباء.

أما بواكير نهضة ميناء الحديدة وازدهار المدينة فتعود إلى عام 1264هـ/1848م حينما احتلها الأتراك، واتخذوها قاعدة لقواتهم، ومنطلقاً لهم إلى صنعاء العاصمة، وبات ميناؤها من الموانئ الرئيسية لتصدير البُنّ اليمني إلى خارج البلاد، وتتفوّق في تصدير هذه السلعة المهمة على مينائي المخا واللحَيَّة، ونافست الحديدة ميناء عدن في الأهمية، وتحولت إلى مدينة تجارية مهمة استقطبت كثيراً من الوافدين من التجار الحضارمة والهنود.(إبراهيم المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ج1، ص 436).

وقد تعرضت الحديدة في العصور الحديثة لعدد من الحروب، بعد جلاء الأتراك العثمانيين عنها، من ذلك احتلالها من قوات بريطانية في عام 1341هـ/1923م، وتسليمها للإمام محمد بن علي الإدريسي، إمام عسير- حينذاك-، ولكنها ما لبثت أن احتلتها قوات الإمام يحيى حميد الدين بعد ذلك بسنتين أي في عام 1343هـ/1925م، ودخلتها القوات السعودية بقيادة الأمير فيصل بن عبدالعزيز في شهر محرم عام 1353هـ/1934م في أثناء الحرب اليمنية السعودية التي انتهت بموجب معاهدة الطائف الموقعة بين الجانبين في جدة في شهر صفر عام 1353هـ/1934م وبموجب هذه المعاهدة انسحبت القوات السعودية من الحديدة، ومن جميع الأراضي التي أصبحت بموجب هذه المعاهدة جزءًا من تراب اليمن (محمد أحمد العقيلي، تاريخ المخلاف السليماني،ج 2، ص 1139-1151). واستتبت الأمور في الحديدة بعد هذه الأحداث للإمام يحيى حميد الدين، وحكمها نواب عنه معيّنون من قبله حتى مقتله في العام 1367هـ/1948م. وكان القاضي محمد بن أحمد الحجري (ت1380هـ/1960م) ممن تولى جمرك الحديدة في عهد الإمام يحيى رحمه الله؛ لذلك وصفها وصفاً دقيقاً في تلك الفترة: بأنها كانت مركز لواء يشمل جميع أقضية التهائم، وأن بيوتها كانت عامرة، وأنها مبنية من الآجر والقش، ويصف مساجدها بأنها كثيرة، وأن من حاراتها: حارة باب النصر، وحارة اليمن، وحارة الشام، وحارة الترك، وحارة الهنود، وحارة المطراق وباب مشرف، ويسكن هذه الحارات خليط من العرب وغير العرب، فمن العرب اليمانيون آل المزجاجي، والحَوَك، وبنو الأهنومي، ومنهم من الحضارمة: آل بابقي، وآل باسودان، وآل باحويرث، والأشراف آل المحضار، وآل العطاس، ومن السادة: آل الأهدل. ومن الهنود: بنو فقير، وبنو الأعجم، وبنو نورة، وبنو الصّدام، وبنو ساحان، ومن الأتراك: بنو رجب وبنو عاكف، ومن الفرس: بنو رضا العجمي (القاضي محمد الحجري، مجموع بلدان اليمن وقبائلها،ج1، ص251).

وبعد الثورة تحوّل لواء الحديدة إلى محافظة الحديدة، وهي من كبريات المحافظات في اليمن، وتضم من الوحدات الإدارية، المَرَاوعة، والصَّلِيْف، وبيت الفقيه، والزَّيْدِيَّة والضَّحِي، واللُحَيَّة، والقَنَاوِص، والمغلاف، والزهرة، وباجل، والخَوْخَة، وحَيْس، وكمران، والمنصورية، وبُرَاع، وجبل راس، وزَبِيْد، والمنيرة، والدريهمي (إبراهيم المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ج1، ص 436).

ولتوسّط مدينة الحديدة في سهل تهامة الخصيب فإن النطاق الجغرافي لمحافظتها يشتمل على أشهر الأودية اليمنية التهامية، وأكثرها أهمية من حيث خصوبة تربتها، وكثرة مياهها، واتساع رقعتها الزراعية، نذكر منها وادي زَبِيْد، ووادي رِمَع، ووادي سِهَام، ووادي اللاويّة، ووادي سُرْدُد، ثم وادي مُوْر الذي يُوصف بأنه ميزاب اليمن الكبير، وكل هذه الأودية تجود بمختلف أنواع الفواكه والتمور والمحاصيل الزراعية المعروفة باليمن، بالإضافة إلى زهرة الفلّ ذات الرائحة الطيبة التي تزرع على نطاق واسع في أودية محافظة الحديدة، وخصوصاً في وادي زَبِيْد الذي تغنى به الشعراء لخضرته، وكثرة نخيله ومياهه ونباتاته الذكية الرائحة (إبراهيم المقحفي، المعجم نفسه والصفحة نفسها).

ويسكن حول الحديدة وفي مديريّاتها أعداد غير قليلة من القبائل التهامية السنّيّة المذهب، والشديدة البأس، وفي مقدمتها قبيلة الزَّرَانِيْق التي تحمل تاريخاً طويلاً من العداء للزيدية منذ حروبها الطويلة التي خاضتها ضد الإمامة الزيدية طلباً للاستقلال بأرضهم وديارهم حتى وصلت قضيتهم إلى عصبة الأمم بُعيد الحرب العالمية الأولى.

وتمثل محافظة الحديدة وسائر مديرياتها بيئة صالحة لأي تقدم تُزْمِع عليه المقاومة اليمنية، وقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية عبر أراضيها نحو صنعاء في حال نجاحها في استرداد ميناء الحديدة الذي أوضحنا سابقاً بأنه بوابة صنعاء على البحر الأحمر، ونافذتها الرئيسية على العالم الخارجي، وشريان حياتها الاقتصادية.