قام أحد الرسامين المشهورين بتجربة جميلة، تقوم على رسم وجوه المشاركين دون رؤيتهم، بناء على وصفهم لأنفسهم، وذكر ملامحهم بدقة، ثم إعادة الرسم نفسه إلى الأشخاص أنفسهم مرة أخرى، ولكن هذه المرة بناء على وصف شخص آخر لهم، إذ يشاهد الشخص المعني ويصفه للرسام، فيقوم الرسام بدوره بالرسم غيابيا.

وكانت المفاجأة أن جميع الأشخاص الذين وصفوا ملامحهم، وصفوها أسوأ مما هي عليه في الواقع بدرجة كبيرة، وأحبوا ملامحهم حسبما يراها الآخرون، لا حسب ما يرونها هم.

ولعل هذا هو واقع حياتنا اليومية، إذ لو طلبت من أحد ما، أن يصف ملامحه لك لنبهك إلى كثير من عيوبه الشكلية التي ربما لا تكون قد لفتت انتباهك بالفعل.

لكن الغريب أن هذا الأمر لا ينطبق على وصف الملامح السلوكية، إذ لو سألت أحدهم عن أسوأ سلوك لديه، لامتدح نفسه بشكل مبطن أو غير مباشر، أو بأسلوب المدح بما يشبه الذم على رأي البلاغيين، كأن يقول إن عيبه طيبة القلب الزائدة، أو الثقة في كل الناس. إلى آخره من الصفات التي يعلم في حقيقة الأمر أنها مدائح، ولن تجد أحدا يصف نفسه بالأنانية أو العنصرية أو الكذب.

إذًا، فمعرفة النفس لا تفضي إلى قول الحقيقة دائما، بل على العكس تماما، أي أن معرفة النفس ربما تكون ستارا سميكا يفصلنا عن حقيقتنا، وغشاوة تعمي أبصارنا عن مواطن القصور فينا، لذلك يجب علينا الإصغاء إلى الآخرين عندما يذكرون صفاتنا وسلوكنا أو طبائعنا أو حتى حماقاتنا التي قد نكون اعتدناها إلى درجة عدم الشعور بارتكابها، أو الشعور بامتعاض الآخرين منها، وهذا الإصغاء ليس بهدف الاقتناع والتصديق، بل بهدف البحث والتمحيص عن حقيقتنا التي قد ننكرها أحيانا، والحقيقة التي لا جدال فيها، أننا أسوأ مما نظن، لو تجردنا من معارفنا السابقة، حتى فيما يخص أنفسنا، واحتكمنا إلى الحيادية.