كتبت ثلاث مقالات في مواضيع مختلفة تتعلق بدمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي تتفق كل المقالات الثلاث في الثناء على فكرة الدمج كخطوة جريئة للتطوير والتجريب.. والواقع أن التجريب هو أحد طرق البحث العلمي، بل من أهمها وأدقها وأصعبها لدراسة القضايا والمشكلات للوصول إلى الحلول الفاعلة والناجحة.

كلنا يعرف أن قرار الدمج جاء بناء على حيثيات وفرضيات وقرارات تم اتخاذها، منها إلغاء بعض المجالس واللجان العليا مثل المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس التعليم العالي واللجنة العليا لسياسة التعليم وغيرها التي رأت القيادة أن استبدالها أو إلغاءها في هذه المرحلة يحقق المصلحة العامة بشكل أفضل. لذا جاء دمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في هذا السياق، كما جاء قرار الدمج بناء على الرغبة الملحة في أن يتم الإشراف على الطلاب منذ دخولهم أول فصل دراسي في مراحل التعليم الأولى حتى تخرجهم من الجامعة، ومن يريد منهم الاستمرار في الدراسات العليا، أن يكون الإشراف عليهم وتوجيههم ورسم سياسات وتوجهات ومراحل واستراتيجيات وطرق وأساليب ومناهج دراستهم؛ عن طريق جهة واحدة، أو قل وزارة واحدة بدلا من وزارتين. بالطبع هذه مدرسة فكرية لها جوانبها الإيجابية ولها سلبياتها. وقلت في تلك المقالات الثلاث إن أمر ذلك يرجع إلى تحديد طغيان الإيجابيات على السلبيات أو العكس للجهة التي تتخذ هذا القرار أو تقرر تبني تلك المدرسة. وقلت أيضا إنه ربما أنه أثناء مناقشة أمر الدمج أن متخذي هذا القرار قد رأوا أن دمج الوزارتين له إيجابيات ستتحقق أكثر من بقاء الوزارتين منفصلتين يقرر كل منهما سياساته ورؤاه وأهدافه بشكل منفصل دون تنسيق أو تكامل. وذكرت في تلك المقالات بعض الإيجابيات.. كما تطرقت لبعض السلبيات..

والآن وبعد مضي أكثر من عام على دمج الوزارتين يمكننا من خلال ما نشهده وما نلاحظه (ونحن لا نملك دراسة علمية تؤكد ذلك) أنه قد يكون هناك بعض العوائق التي ربما اعترضت نجاح هذا الدمج، مما يجعلني هنا أقترح إعادة الوزارات لوضعها السابق مع بعض المقترحات في حالة تبني هذا الاقتراح.. ومن تلك العوائق ما يأتي:

1 - أنه أثناء الدمج ربما أن مهام ثلاث وزارات هي تعليم البنات ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي التي ألقيت على كاهل وزير واحد اتضح أنها مهام جسام لا يمكن لوزير واحد أن يجد الوقت الكافي لحملها ودراستها واتخاذ القرارات المناسبة فيها، نظرا لتعقيد بعضها واحتياجها لوقت كافٍ للنظر فيها واتخاذ القرار المناسب فيها.

2 - اتضح أن هناك صعوبة في الهيكلة فقد مضى عام كامل دون أن تحقق الهيكلة التي لا يجب أن تأخذ كل هذا الوقت، وكان المفروض أن تتم بالسرعة الممكنة وفي خلال أشهر فقط لولا الصعوبات الجمة في إنجازها.

3 - أتضح أن هناك مشكلات لدى البنات خصوصا، فهناك بعض المعاملات تتعلق بالبنات يقوم بها مسؤولون من الرجال ولا يمكن للبنات مراجعة أقسام الرجال وبعضهن يجدن صعوبة في إيجاد من يذهب لقسم الرجال بالنيابة عنهن لمراجعة معاملاتهن وإنجازها وبالسرعة الممكنة.

4 - هناك إلى الآن عدد كبير من الجامعات تدار من قبل مديرين بالوكالة، ولعل هذا الأمر متعلق بالهيكلة المتأخرة ومتعلق بالدمج عموما.

5 - لم يتضح بشكل واضح إلى الآن تقدم في المستوى التعليمي ولم ير على الأقل أولياء الأمور أي فروق تذكر نتيجة الدمج.

6 - بناء أنظمة جديدة للوزارات الثلاث وتجريبها وبناء هيكل موحد لتنفيذ تلك الأنظمة أمر معقد جدا، وفي حالة عمل كل ذلك لا أتوقع أن تكون النتائج مرضية لأمور يطول شرحها.

7 - تناغم العمل بين الوزارات الثلاث تحت وزارة واحدة يحتاج وقتا طويلا وربما لن يكون ذلك التناغم بالمستوى المطلوب.

لهذه الأسباب وربما كانت هناك أسباب أخرى نرى إعادة وضع الوزارات بما فيها تعليم البنات إلى وضعها السابق مع عمل ما يأتي:

- لا يكتفى بتعيين وزيرين للتربية والتعليم والتعليم العالي، بل تعيين (وزيرة) لتعليم البنات بمعنى ثلاث وزارات للتعليم.

- تشكيل مجلس مصغر يضم الوزراء الثلاثة يجتمع أسبوعيا لتنسيق الخطط والبرامج والمشروعات لتحقيق التناغم المطلوب، ولتفادي المشكلات التي كانت تحدث في الماضي، خصوصا بين تعليم البنات ووزارة التربية والتعليم فيما يخص المناهج والبرامج وإعداد المعلمين والمعلمات بشكل خاص والعملية التعليمية بشكل عام. هذا المجلس سيقضي على كل المشكلات التي كانت تحدث نتيجة غياب كامل في التعاون والتنسيق بين تعليم البنات ووزارة التربية والتعليم.

- فيما يتعلق بالمشكلات بين التعليم العام والتعليم العالي كان أيضا هناك غياب في التنسيق، بل رؤى متناقضة في بعض المشروعات بين الوزارتين، ووجود هذا المجلس المصغر سيقضي على هذه المشكلة ويحل بديلا للدمج، لأن كل وزارة ستركز على مهامها وتنجزها في الوقت المناسب ودون تأخير.. كما أن هذا المجلس سيقضي على المشكلة الأزلية بين الوزارتين فيما يتعلق بالاتهام الأزلي بين هاتين الوزارتين أن ضعف مخرجات كلٍّ منها سببه الأخرى. فوزارة التربية تقول إن سبب ضعف طلابها هو المعلمون الذين تخرجهم الجامعات، ووزارة التعليم العالي تقول إن سبب ضعف المعلمين المتخرجين يعود لتأسيسهم في مدارس التربية والتعليم.

وخلاصة القول نحمد لبلادنا اتخاذ قرارات جريئة، منها دمج وزارات التعليم في تجربة كان الهدف منها الارتقاء بمستوى التعليم إلا أنه بعد مرور أكثر من عام اتضح للأسباب التي ذكرتها أن هذه تجربة لم يثبت نجاحها، ولهذا لا بد من العودة إلى وجود التعليم تحت ثلاث وزارات يجمعها مجلس مصغر يجتمع أسبوعيا لتحقيق أهداف الدمج التي لم تتحقق تحت وزارة واحدة.. الوقت يمضي سريعا ولا يحتمل التعليم بقاءه متأخرا عن اللحاق بكل جديد يكفل له الارتقاء بمستواه الذي يجب أن يلمسه الجميع على أرض الواقع في مدارسنا وجامعاتنا.

نسأل الله -العلي القدير- أن يوفق كل جهد مخلص لخدمة ديننا ووطننا.