على مدى الأسبوعين الماضيين، اتخذت المملكة ودول المجلس الأخرى عدداً من الإجراءات للتعبير عن استيائها من اختطاف حزب الله للقرار اللبناني، الذي اتضح من خلال ترديد بعض المسؤولين اللبنانيين لمقولات حزب الله أنه أصبح أداة بيد أكثر عناصر النظام الإيراني تشدداً.

ففي 19 فبراير، أوضحت وزارة الخارجية السعودية عزمها إجراء مراجعة شاملة للعلاقات السعودية - اللبنانية، وتعليق مساعدات المملكة المخصصة لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبنانية، ضمن تعهدات بلغت نحو أربعة مليارات دولار. وأشارت إلى أن القرار جاء رداً على مصادرة حزب الله لإرادة الدولة اللبنانية، وتسلطه على مقدراتها، فضلاً عما يقوم به من أعمال إرهابية في لبنان وخارجها.

وفي ضوء ذلك، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي مساندتها التامة لقرار المملكة "الذي جاء رداً على المواقف الرسمية للبنان التي تخرج عن الإجماع العربي ولا تنسجم مع عمق العلاقات الخليجية اللبنانية، وما تحظى به الجمهورية اللبنانية من رعاية ودعم كبير من قبل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون". وفي إشارة واضحة إلى ارتهان حزب الله لإيران، عبرت دول المجلس عن "أسفها الشديد أن القرار اللبناني أصبح رهينة لمصالح قوى إقليمية خارجية، يتعارض مع الأمن القومي العربي ومصالح الأمة العربية، ولا يمثل شعب لبنان العزيز الذي يحظى بمحبة وتقدير دول المجلس وشعوبها".

وطلب المجلس "أن تعيد الحكومة اللبنانية النظر في مواقفها وسياساتها التي تتناقض مع مبادئ التضامن العربي ومسيرة العمل العربي المشترك، وتؤكد استمرار وقوفها ومساندتها للشعب اللبناني الشقيق، وحقه في العيش في دولة مستقرة آمنة ذات سيادة كاملة، وتتطلع إلى أن يستعيد لبنان عافيته ورخاءه الاقتصادي ودوره العربي الأصيل".

ولكن رد الحكومة اللبنانية جاء مخيباً للآمال، فلم يتضمن تراجعاً عن المواقف التي عبّر عنها وزير الخارجية اللبناني في اجتماعي وزراء الخارجية العرب ووزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، حين انفردت لبنان برفض إدانة حرق الإيرانيين للسفارة السعودية في طهران.

ومما أظهر تبعية حزب الله لأشد عناصر إيران تطرفاً أن وزير الخارجية المتحالف مع الحزب عبّر في الاجتماعين عن موقف انفرد به لبنان، فحتى حلفاء إيران مثل روسيا دانوا الاعتداء على سفارة المملكة، بل إن الرئيس الإيراني نفسه انتقد الاعتداء، مما يُظهر أن الحزب يأتمر بأمر الحرس الثوري، الجهة المسؤولة عن تدخلات إيران في الدول العربية.

ولذلك، اتخذت المملكة ودول المجلس إجراءات احترازية، فطلبت من مواطنيها عدم زيارة لبنان، حماية لهم من اعتداءات حزب الله الذي لم يعد يُخفي عداءه لكل ما هو خليجي، خاصة أن السلطات اللبنانية بدت عاجزة عن كبح جماح الحزب واعتداءاته على المواطنين اللبنانيين وغيرهم.

وتاريخ الحزب في الاغتيال والبطش وتكميم الأفواه غني عن التفصيل، لم يبدأ بحادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، بل سبق ذلك بزمن. بدءاً باغتيالات قادة الشيعة ومفكريهم مثل مهدي عامل وحسين مروة، وأعقبها اغتيال قادة لبنانيين من طوائف مختلفة، مثل جورج حاوي، والوزير بيار أمين الجميل، والنائب والصحفي جبران غسان تويني، والصحفي سمير قصير، واللواء وسام الحسن، وغيرهم.

جرائم الاغتيال هذه في معظمها جرائم لم يتم حلها حتى الآن، ولكن أصابع الاتهام تتجه إلى حزب الله، الذي يستميت في الدفاع عن أعضائه المطلوبين في بعض هذه الجرائم. فعلى سبيل المثال، في عام 2009 وجدت المحكمة الدولية الخاصة أدلة واضحة تُظهر ضلوع الحزب في اغتيال رفيق الحريري، ولكن السلطات اللبنانية لم تتمكن حتى الآن من تسليم المطلوبين إلى المحكمة للتحقيق معهم. ولمنع أي محاولة للقبض عليهم، هدد الحزب باحتلال لبنان بكامله في حالة محاولة السلطات القبض عليهم، وقام في أكتوبر 2010 بتمارين عسكرية لإيضاح قدرته، وربما عزمه، على القيام بذلك، لولا أنه انشغل بعدها بالدفاع عن بشار الأسد والقضاء على الثورة السورية التي بدأت في مارس 2011.

والحقيقة أن "المراجعة الكاملة" لسياسات المملكة – وبقية دول المجلس – تجاه لبنان أصبحت ضرورة قُصوى، نظراً إلى تورط حزب الله من جهة في أعمال إرهابية تجاه المملكة ودول المجلس، فضلاً عما يقوم به من أعمال عدائية وكالة عن الحرس الثوري الإيراني في اليمن وسورية والعراق وغيرها.

ولكي تكون المراجعة فعالة فإنها تستهدف الحزب بشكل خاص، وتعمل على تفادي الإضرار بمصالح لبنان. فالحزب لا يمثل سوى نسبة محدودة من الجسم السياسي اللبناني، تبلغ 10 بالمئة فقط من مجلس النواب (13 من أصل 128 نائباً)، ولهذا فإن نسبة من يتوافقون مع الحزب في الآراء والتوجهات في لبنان قد لا يتجاوزون هذه النسبة، بل ربما كانوا أقل من ذلك لولا تسلط الحزب وقدراته العسكرية والخوف من بطشه.

ويروج الحزب أن تحالف 8 آذار، الذي يضم مع الحزب عدداً من الأحزاب اللبنانية الأخرى، يتفق معه في الآراء وربما كان ذلك صحيحاً في بعض السياسات  اللبنانية الداخلية، والتحالفات الانتخابية، ولكن ذلك ليس واضحاً في السياسة الخارجية.

ولذلك، فإنه أصبح من الضروري أن يوضح قادة 8 آذار، وليس فقط قادة 14 آذار، مواقفهم الحقيقية مما يقوم به الحزب من أعمال عدائية تجاه دول مجلس التعاون، والدول العربية الأخرى، وتحالفه مع الحرس الثوري والعناصر المتشددة الأخرى في النظام الإيراني.