مثلت الزيارات المتبادلة بين السعودية وتركيا أهم مظاهر التقارب السياسي؛ إذ لم تتوقف تلك الزيارات منذ العام الماضي، ومنها الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مدينة أنطاليا التركية في نوفمبر الماضي خلال مشاركته في قمة العشرين، فضلا عن الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نهاية العام الماضي إلى الرياض، ورفعت من سقف التعاون السياسي والعسكري بين البلدين إلى أبعد الحدود. واتسمت مواقف البلدين بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء فيما يخص تطوير العلاقات بينهما بما يخدم مصالح الأمة الإسلامية، كما بذلا جهودا مكثفة لنصرة الشعب الفلسطيني والوصول إلى تسوية عادلة للنزاع العربي الإسرائيلي، إضافة إلى أن لهما دورهما الفاعل في منظمة التعاون الإسلامي. وتدعم أنقرة، الموقف السعودي المتمثل في عاصفة الحزم، وترى ضرورة دعم شرعية الحكومة اليمنية المنتخبة فيها، كما تتطابق رؤيتا البلدين في حتمية رحيل الأسد، والتأكيد على الحل السياسي للقضية السورية مع المحافظة على سيادة ووحدة التراب السوري. والتقت أيضا مواقف البلدين في مواجهة آفة الإرهاب الذي ضرب المنطقة بقوة ويهددها برمتها.




جذور التقارب

دخلت العلاقات الثنائية بين أنقرة والرياض مرحلة جديدة من التطابق، خلال حرب الخليج الأولى عام 1991، بسبب تماشي سياسة تركيا الإقليمية مع قرار مجلس الأمن والموقف الأميركي، مما أدي إلى زيادة ثقة وتقدير المملكة لتركيا. وفي هذا السياق، تم تعويض تركيا عن الخسائر العسكرية والاقتصادية التي لحقت بها جراء وقوفها مع التحالف الدولي ضد سياسة النظام العراقي السابق. وكدليل على تحسن العلاقات الثنائية، زار رئيس الوزراء التركي آنذاك سليمان ديميريل المملكة عام 1993.

ومع نهاية الحرب الباردة، واصلت الدولتان اتباع سياسة خارجية وتوجهات مماثلة، وتزامن ذلك مع إقامة علاقات متوازنة، وبدأت كل من أنقرة والرياض تنوع من توجهات سياستها الخارجية.




تفعيل العلاقة

نتيجة لعدم الاستقرار السياسي الداخلي في تركيا أثناء التسعينيات، شهدت العلاقات الثنائية فترات صعود وهبوط، لكن حزب العدالة والتنمية بدأ منذ وصوله إلى السلطة عام 2002 في إعادة هيكلة السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية لتركيا، بما في ذلك علاقاتها مع الدول الإسلامية، معلنا مبادئ مهمة منها إنهاء المشكلات العالقة مع الجيران، والتعاون، واتباع سياسة خارجية متعددة الأبعاد، وعمل بشكل خاص على تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

ويؤكد مراقبون أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تركيا، ستشكل مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين قوتين لهما أهمية خاصة في نطاقيهما الإقليمي، مشيرين إلى أن الزيارة تكتسب أهمية خاصة من وقعها الإقليمي والدولي في ظل المتغيرات الجيوسياسية السريعة التي تمر بها المنطقة، مؤكدين أن تطابق الرؤى بين البلدين أوجد تقاربا وتلاحما بينهما.


ارتفاع سقف التوقعات


توقع الباحث في العلاقات الدولية الخبير الإستراتيجي محمد دمير باغ في تصريح إلى "الوطن" أن يؤدي التطور المتصاعد في العلاقات بين البلدين إلى فتح آفاق وفضاءات جديدة من شانها أن تلقي بظلالها الإيجابية على مجمل دول المنطقة.

وبين دمير باغ أن هناك دوافع سياسية واقتصادية لعبت دورا مهما في صنع التقارب السعودي التركي الذي اتخذ طابعا مختلفا عن الماضي، وساهم في بلورة الأجواء وتفعيل التعاون بين الدولتين، مشيرا إلى أن زيارة خادم الحرمين إلى أنقرة تتويج لذلك التقارب.

وأضاف أن موقف الرئيس إردوغان المُساند للملكة والمُعارض للسياسة المذهبية التي تنتهجها إيران في المنطقة أوصل العلاقات السعودية التركية إلى أعلى مستوى وأضاف لها المزيد من الحيوية والفعالية.