تشكل المملكة رقماً صعباً في منظومة دول العالم وفقاً للحقائق الآتية التي لا تقبل الجدل: على المستوى العالمي، هي عضو في منظمة دول العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم، وهي تقود تحالفات لتكريس السلام في المنطقة، إذ أدركت الدول الكبرى أنه لا يمكن اتخاذ أي خطوة تتعلق بمنطقتنا، ليس فقط دون التفاهم مع المملكة، بل أن تكون المملكة هي صاحبة الكلمة، فهي ذات الباع الطويل في محاربة الإرهاب، وهي من تقود العالم في حوار الأديان، ومنذ فترة طويلة وهي تحافظ على توازن توفر البترول عالمياً، إذ إنها الدولة الوحيدة التي تستطيع زيادة إنتاجها 2.5 مليون برميل يومياً خلال 24 ساعة. هذه وحدها مقومات جبارة تكشف الدور الريادي الذي تحتله المملكة عالمياً، وعلى مستوى العالم الإسلامي، بلادنا هي مهبطُ الوحي ومحضن الحرمين الشريفين، وتكاد تكون الدولة الوحيدة التي تطبق الشريعة الإسلامية كنظامٍ يُحتكم إليه في محاكمها، كل تلك نِعَم تفضل بها الله علينا وندعوه جلت قدرته أن يهيئ لنا سُبل حفظها، هذه شواهد ماثلة للعيان على مكانة المملكة العالية بين دول العالم أجمع.

هناك محاولة يائسة منذ زمن طويل للنيل من المملكة ونصب العداء لها، وتشتد هذه المحاولات في هذا الوقت بما نراه من حملات إعلامية شرسة لتشويه هذه الصورة المشرقة لبلادنا، ومحاولة رسم صور نمطية مغلوطة عنها مستغلة الأوضاع والظروف الحساسة التي يمر بها العالم اليوم بشكل عام والعالم العربي والإسلامي بشكل خاص على جميع المستويات، والحمد لله نرى التصدي لتلك الحملات يأخذ أشكالاً عديدة تتسم بالحكمة والذكاء والروية، وتتمثل في جهود كبيرة على كل المستويات ونجاح تلك الجهود، هذا على المستوى الرسمي، لكن على مستوى الجمهور والمواطنين هناك متطلبات أساسية لا بد من وعيها وإدراكها، ومنها أنه وفي هذه المرحلة الحساسة لا يمكن لأي من كان أن ينال منا طالما أن لحمتنا قوية، وتماسكنا قيادة ومواطنين، هذه حقيقة لا تقبل الجدل، التخلي عن الممارسات والأفكار التي تهدم لحمتنا وتصدع وحدتنا وتدمر مكتسباتنا بوعي أو بدون وعي مطلب أساسي في هذه المرحلة، فلا بد أن نناقش بوعي، وننتقد بفطنة، محافظين على ثوابتنا ووحدة وطننا ولحمته. الحكمة تقتضي ذلك.

لا بد أن ندرك ماذا يعني الموقف الذي نتخذه والفكر الذي نبثه وما سينطوي عليه، وهل هو في مصلحة الوطن أم ضده؟ لا بد أن نقف خلف الوطن في رخائه وشدته، نقف خلف قيادته في هذه الظروف الحساسة. نقف سداً منيعا لا يمكن اختراقه، هنا نضيِّع الفرصة على الحاقدين والحاسدين والأعداء، ففي قوة بلادنا تماسك لدول المنطقة، وإذا كان الوطن قد احتاج لهذا الدور في السابق فهو أشد حاجة له الآن، دورنا ألا نستجيب لمن يستدرجنا ضد وطننا، دورنا أن نتصدى لدعوات الانقسام والتشرذم عبر مواقع التواصل الاجتماعي للعون على أهلنا ووطننا، دورنا أن نحمي الوطن من أن ينزلق إلى أوضاع تُسلب فيها الحقوق، دورنا أن نكون واعين في مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجالس والمنتديات التي تستجلب الفكر المعارض وتشد على أيدي أصحابه وتشيد بهم، دورنا أن نعي تمام الوعي أننا نعيش في ظروف مختلفة وحسَّاسة ينشط فيها المتربصون بنا، ويحتال فيها أعداؤنا باستخدام شتى الوسائل والحيل لاستدراجنا بطرق خبيثة إلى الانقسام وأساليب شيطانية حتى تتحقق أمانيهم بتمزيقنا وتحطيمنا وتفريقنا، لنكون نحن في النهاية الخاسر الأعظم، دورنا أن نعرف طرق الاختلاف وأنواعها ثم نسلك الطريق الذي يؤدي إلى الإصلاح مع الحفاظ على اللحمة وعلى المكتسبات.

هناك نوع من الاختلاف يمكن وصفه بالشيطاني، لا يؤدي إلى تقويم الاعوجاج بل إلى التفرقة، ونوع آخر هو اختلاف التنوع الذي يعني أننا نتفق على الأهداف ونختلف على كيفية الوصول إليها، وهذا هو نوع الاختلاف الذي ننشده مع حكومتنا لنقول لها رأينا بكل حكمة واحترام أن ما نراه لا يؤدي إلى الهدف الذي ننشده جميعاً وأن لدينا البديل، فدورنا ألا ننزلق وننضم إلى فرق التشرذم والانقسام، نعم نعرف أن لدينا أمورا نختلف على كيفية حلها، وأن لدينا ملفات صعبة نختلف على طرق التعامل معها، لكن ما نراه وما نسمعه وما نقرؤه حولها يؤدي إلى مشكلات أكبر وأصعب من هذه الملفات، العالم يعيش ظروفا حساسة ونحن مستهدفون ومثل هذه الملفات تستغل، بفكر منظم وبلاغة في الطرح حتى تبدو بلادنا في صورة مشوهة لا تكشف الحقيقة. وخلاصة القول، بلادنا تحتل مكانة عالية عالمياً وإسلامياً وعربياً، ودورنا كمواطنين المحافظة على مكتسباتها وعلى صلابة وحدتنا الوطنية.