أشواق عبدالعزيز العضيبي


مرّ التعليم في المملكة العربية السعودية، بمراحل عديدة خلال مسيرة تطوره، فقد ألزمت الدولة نفسها بإيصال التعليم إلى كل أفراد المجتمع، وبناء المدارس في القرى، والهجر، والمناطق النائية، وقد نجحت القيادة في تغيير ثقافة المجتمع، بشكل كبير، في نظرته تجاه أهمية التعليم، وتحقق الهدف الأساسي الذي كانت تسعى إليه، والذي بنيت عليه وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، وهو نشر التعليم ورفع جودته والتوسع فيه.

ويمكن القول إننا حققنا نجاحاً في تحقيق الكفاءة الكمية في مخرجات التعليم -نقصد في حديثنا التعليم العام- وهذا يعد نقلة جيدة لنظامنا التعليمي خلال مسيرته.

ولكن آن الأوان للاهتمام بشكل جدّي في الكفاءة النوعية، فمخرجات التعليم ما زالت دون المستوى الذي نطمح إليه، فحتى الآن، لم يصل طلابنا إلى المستوى المطلوب في التحصيل العلمي، إذ لا يزال لديهم نقص في مهارات الاتصال والحوار، ويظهر لديهم أيضا وبشكل واضح غياب الدافعية نحو التعلم، إضافة إلى وجود فجوة كبيرة بين التعليم العام والتعليم الجامعي.

ويرجع ضعف المخرجات إلى مشاكل وصعوبات تراكمت في النظام التعليمي، فالمتأمل في وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية الصادرة عام 1390، يجد أنها خدمت التعليم خلال مسيرته التي تقارب الخمسين عاماً، ولا نختلف عن قوتها ومتانة أسسها وأهدافها، ومساهمتها في تحقيق الأهداف الرئيسية للتعليم، إلا أنها ورغم ما حققته من نجاح حتى الآن، ما زالت تحتاج إلى تحديث وتطوير لمواكبة تقدم العصر ومستجداته وفق منهج الدولة التشريعي ومع التركيز على المعلم بصفته أساس العملية التعليمية، والذي يفتقد الرضا الوظيفي الذي يؤدي إلى تدني الدافعية نحو تطوير نفسه ومهاراته، وكذلك المباني المدرسية، سواء المستأجر منها أو المباني الحكومية، فهي للأسف بيئة غير جاذبة للطلاب بوضعها الراهن.

إن مسيرة القيادة الإدارية في التعليم خلال السنوات القليلة الماضية، أظهرت لنا بعض الاجتهادات غير الموفقة أحيانا في أساليب الإدارة في قطاع التعليم، وقد يعود ذلك إلى بحث المسؤول عن قرارات وبرامج كحلول سريعة لمشاكل نظام تعليمي ضخم تراكمت فيه المشاكل.

النظام التعليمي لدينا يحتاج إلى إصلاح جوهري قبل التفكير في التطوير، فالترقيع والتخبط الحاصل سيجعلنا نسير في طريق لا نبلغ فيها أهدافنا المرجوة.

ولعل ما يدعونا إلى التفاؤل في مستقبل أفضل للتعليم تلك المبادرة التي أطلقها ولي ولي العهد رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية خلال شهر ديسمبر 2015 وهي (برنامج التحول الوطني – المملكة 2020) والذي حوى في مقدمة مكوناته التحول في التعليم، وما زلنا نتطلع إلى ظهور ملامح ذلك التحول الذي سيحصل من قبل المسؤولين في التعليم.

لقد لامس وزير التعليم الجرح في مقاله الصادر يوم الأحد الموافق 11 /6 /1437، لكنه للأسف لم يأت بدواء لهذا الجرح، فأن نضع أيدينا على موضع الخلل أمر جيد -وإن كان موضع الخلل واضحاً للمهتمين بالشأن التعليمي- إلا أننا كنا ننتظر من معاليه أن يسرد لنا محاور الخطة العلاجية وآلية تنفيذها.

إن إصلاح التعليم ليس بالأمر المستحيل، لكنه يحتاج حلولاً جادة جذرية جريئة بعيدة عن العشوائية، نحن لا نفتقد القيادات المتمكنة والمتخصصة، ولا نفتقد الموارد المالية، فميزانية التعليم ضخمة وقادرة على تمكين المسؤولين من تحقيق مستوى تعليمي متميز، ولا نفتقد الحلول اللازمة لمعالجة ما يعاني منه التعليم، فنتائج البحث العلمي المتخصص في تطوير التعليم تملأ الرفوف، غير أن ما نفتقر إليه في الحقيقة هو التوظيف الصحيح لتلك المقومات.

إن نظامنا التعليمي بحاجة إلى خطة إستراتيجية جريئة في أهدافها واضحة في خطواتها وخلال مدة زمنية محددة، معلنة ومنشورة للجميع، حتى يسهم جميع المختصين في التعليم في تنفيذ أهدافها، ومن حق الجميع ككوادر عاملة في الميدان التربوي، وكمهتمين بالشأن التعليمي، وكمواطنين نعيش في هذا الوطن، أن نطلع على الطريق الذي يسير فيه التعليم لدينا، وبذلك يشاد بمن أجاد ويحاسب المقصر، فلا بد من إيقاف القرارات العشوائية التي تبحث عن حلول سريعة بلا تخطيط واضح المعالم، كي تتحقق الإجابة على سؤالي معالي وزير التعليم في مقاله بعنوان "تعليمنا يسير إلى المجهول".. يا معالي الوزير في عنوان مقالك؛ تعليمنا يسير إلى المجهول!