كنت قد توقعت من أول أسبوع للرئيس أوباما في الحكم أن يحصل على جائزة نوبل للسلام، نتيجة الوعود التي أطلقها، ورجعت بي الذاكرة لتاريخ هذا الرئيس وما تسبب به من دمار للمسلمين وبلدانهم، والمؤلم أن يستضيف الرئيس الأميركي لاجئا سوريا خلال إلقائه خطاب "حالة الاتحاد"، وبالرغم من الكلمات التي وجهها للجمهوريين لعدم الخوف من اللاجئين السوريين نسي فخامته أن سياسته هي السبب الرئيس في أزمة سورية.

وللتاريخ فقد كان فخامته أول من شجع المظاهرات في سورية، ونادى الرئيس الأسد بالمغادرة، وصار كل مسؤول أميركي ينادي بمغادرة الأسد. ثم توعد بضرب النظام السوري وجمع أساطيله في البحر المتوسط، وبعدها تم إخراج تمثيلية بريطانيا وأميركا في استشارة شعبيهما في الحرب، ليعطي نفسه مبررا للتراجع وسحب قواته بعد أن أخذ بعض الأسلحة ليترك الشعب السوري حكومة ومعارضة يواجه بعضهم البعض، ولكن كان علينا أن نتوقف عند وعود الرئيس أوباما عندما فاز في الانتخابات، وبعد أن استحلب مشاعر الأميركان بعد أن شارفت أميركا على كوارث نتيجة حروبها في بلاد المسلين، هو يقول "لسنا في حرب مع الإسلام"، وهذا صحيح لأن الإسلام غائب كقوة بمعانيها المختلفة، ولكن حروب أميركا ضد المسلمين مستمرة، سواء كانت مباشرة أو بالوكالة.

لقد جاء فخامة الرئيس إلى منطقتنا وألقى خطابه المشهور في جامعة القاهرة لترميم الصورة السيئة لأميركا التي خلفها آل بوش بعد أن شنوا حروبا قاسية دمروا فيها دولة العراق وحولوها إلى دويلات وطوائف تتقاتل فيما بينها، بكل بساطة وموضوعية أنت ومعك دول غربية في مقدمتها بريطانيا، شجعتم المظاهرات سياسيا وأخذتم في تأليب الناس ضد بعضهم بعضا، وسمحتم بدخول المقاتلين لدعم وتأييد الطرفين، حتى دخلت دول كثيرة في الصراع، وتحولت الحرب إلى صراع بين القوى الغربية والتحالف الروسي الصيني الإيراني، والقتل والدمار للسوريين جميعا.

لقد بشرت كوندليزا رايس بالفوضى الخلاقة ونفذها الرئيس بوش واستكملتم المشروع بترك العراقيين والسوريين يواجهون مصيرهم، الدولتان يحكمهما نظام البعث الذي يتبنى الاشتراكية التي ترتبط بروسيا والصين، وهاتان كانتا آخر دولتين عربيتين ترتبطان بروسيا، وبالتالي فأنتم عمليا تصفون بقايا حروبكم الباردة في هذه المنطقة. اجتمعتم مرات ومرات من أجل العراق وسورية، وأنتم تستهلكون الوقت وتستنزفون شعوب هذه المنطقة في الحروب التي تسببتم فيها، وأنتجتم مع غيركم من دول العالم المتورطة في الملف السوري والعراقي ظهور "داعش" والقوى المتطرفة، وفتحتم الباب على مصراعيه لإيران وروسيا لدخول العراق وسورية بشكل كبير، الذبح والقتل وهدم البيوت وحرق المزارع وتدمير المكتسبات التي بنتها تلك الشعوب على مدى عقود وقرون تهدمت بسياساتكم التي تظهر مدافعة عن الحقوق، ولكنها في الحقيقة تعمل في الخفاء على إذكاء الحروب ونشر الدمار والخراب في دول المنطقة ومجتمعاتها.

نعم يا فخامة الرئيس اللاجئ السوري ليس لاجئا عاديا، وللتاريخ هو من أحفاد اللاجئين السوريين للأندلس بعد هروبهم من دمشق إلى الأندلس وبناء الحضارة التي تسببت في تحويل أوروبا إلى عالم متحضر ومتطور، ومع هذا هدمت تلك الحضارة ومحيت وأقيمت محاكم التفتيش. اللاجئون السوريون أو العراقيون يا فخامة الرئيس ليسوا لاجئين عاديين، إنهم يحملون معه الخير لبلادكم ومجتمعاتكم التي سترى منهم الإبداع والإثراء لقيمكم وحضارتكم، مثل ما الشواهد بينكم لزهاء حديد العراقية الأصل وستيف جوبز ابن السوري المهاجر. ونحن نسوق أمثلة بسيطة، غير أن هناك ملايين الأطباء والمهندسين والمحامين ورجال وسيدات المال والأعمال وأساتذة الجامعات، وأيضا العمال الشرفاء الذين يبحثون عن لقمة عيش بشرف وكرامة، بعد أن تسببتم في الحروب في بلدانهم. لا يمكن فصل سياستكم يا فخامة الرئيس عن كل ما يجري في المنطقة، فأنت من يدير الصراع في مجلس الأمن وفي المؤتمرات الدولية التي تعقدونها يمنة ويسرة، وأنتم من يوجه الجهات المتصارعة ويحدد مساحات عملها.

كان القس جيسي جاكسون قد بشر العرب والمسلمين بوصولك إلى الحكم في أميركا، ولكن خانته التوقعات، فسياستكم في المنطقة أوجدت كوارث للدول والمجتمعات لن تخرج منها بسهولة، نتيجة التدخل وتعميق الخلافات وتأليب الناس ضد بعضهم بعضا. الأيام دول ولا تدري كيف ستكون الحياة في المستقبل، ولكن التاريخ سوف يسجل لكم مواقفكم وقراراتكم التي اتخذتموها وتسببت في الحروب الدائرة في المنطقة، فلا نكاد ننتهي من حرب إلا ويتم إشعال الأخرى. كنا نتمنى أن يعم السلام العالم وينتشر العدل وتتقارب الشعوب وتنتهي النزاعات المسلحة، وتسود القوانين التي تشرع للتكامل والتعاون وتعزز حقوق الإنسان وتحارب الجهل والفقر والمرض، بدلا من إزهاق الأرواح والعبث بها.

فخامة الرئيس، كم سيكون العالم أكثر سلاما وأمنا لو أنكم كنتم أكثر شجاعة وواقعية في فرض فض النزاعات القائمة، لتبقى أميركا دولة عالمية تحظى بالاحترام والتقدير من حكومات وشعوب العالم، بدلا من النظر إليها بأنها المتربص والمعادي والمستغل للجميع في الظاهر والباطن. كنا نتمنى أن يغادر فخامتكم البيت الأبيض وقد حققت أكبر تقارب بين المسلمين والمسيحيين بحكم أنك تعيش في أسرة مسيحية مسلمة، وألا تكون السبب في توسيع الشرخ بين المسلمين وضرب سنتهم بشيعتهم والعكس، وتغض الطرف عن تدمير أوطانهم وممتلكاتهم وأرواحهم، كم سيكون العالم سعيدا لو أنك فوت الفرصة على التدخل الروسي في سورية بفرض الصلح على السوريين، بدلا من غض الطرف عن روسيا التي تسهم في إشعال النيران ضد الأخوات والأخوان في سورية الحضارة والإنسان. فخامة الرئيس لم ولن تكون رجل سلام، بل رجل حرب سمح لتجار الحروب بملء الفراغ الذي تركته بانسحابك من مواطن الصراع، وقد تكون كسبت بعض الملفات، إلا أنك في الحقيقة حاربت الجميع بالجميع.