يقول صديقي إنه زار قرية الجنادرية برفقة زوجته وأولاده وقد أدرك - كما يقول - إن من لا ماضي له فلا مستقبل له، ويذكر في حديثه أن الجنادرية أصبحت معلما باسقا من معالم المملكة التراثية، وأن فعالياتها الفكرية الندوية قد أضحت علما ثقافيا بارزا على الصعيد العربي بعد أن حفرت اسمها في قائمة المهرجانات التراثية والفكرية خلال عقودها الثلاثة الماضية، حتى تساوت في شهرتها وصيتها المدوي مع مثيلاتها من المهرجانات الدولية الثقافية، أو تلك التي تهتم بالتراث العيني والمعنوي.

ويضيف صديقي لقد لفتت نظري وكذلك زوجتي الأجنحة المتوزعة التي تعرض فعالياتها سواء في جناح المدينة المنورة، أو في جناح مكة المكرمة، أو في جناح الحرمين الشريفين، أو جناح دارة الملك عبدالعزيز، وما يميز هذه الأجنحة هو صياغتها ونمطها المعماري التقليدي الذي ينقلك إلى أجواء تلك المدن من خلال ما يعرض فيها من مبيعات تقليدية تحمل رائحة الخصوصية، أو من خلال ارتداء الباعة ملابسهم المحلية التي تمثل مناطقهم.

وهكذا فإن قرية الجنادرية تنقلك في رحلة سياحية معرفية إلى أقاليم المملكة لتتعرف من خلالها على هذا الوطن الشاسع وما يحمله من تنوّع وتعددية في التقاليد والثقافات والعادات والملابس والأدوات والأكلات وكل شؤون الحياة اليومية على بساطتها في تلك الأيام الغابرة.

ثم يكمل صديقي: لقد استمرت جولتنا في القرية واستمرت معها متعتنا ودهشتنا مما نشاهده من رقصات وفعاليات، ثم أتبعنا ذلك بمشاهدة الجناح الألماني الذي كان ضيف الجنادرية لهذا العام، وقد لقي استحساننا وإعجابنا، وهكذا استمر تجولنا بين الأجنحة والفعاليات المتنوعة، لكن التعب أخذ نصيبه منا بعد خمس ساعات على نحو أصابنا أنا وزوجتي والأولاد بالجوع الشديد.

ولذلك فقد عرضت علي زوجتي وأولادي أن نأكل شيئاً من اليغمش أو المنتو أو المطبق أو نستمتع بتذوق الفول المكاوي من الجرّة برفقة خبز التميس أو أن نتمتع بأكل الكليجا المقرمشة أو أن نأخذ قليلاً من كل هذه الأنواع ونتعشى سويا.

لكنني فوجئت وأنا أطرح هذا الاقتراح برأي أولادي عندما أجمعوا أمرهم بصوت واحد: نبغى همبرقر يا بابا.

ثم يكمل صديقي: لقد ضحكت أنا وزوجتي ساخرًا من طلب الأولاد وقلت لهم متهكما: الهمبرقر تلقونه في شارع التحلية أو العليا. نحن الآن في الجنادرية وبمعنى آخر يا عيالي فإنكم هنا في مهبط الأصالة والوجبات المحلية الحميمية والنافعة.

وهذي الخرابيط من الهمبرقر وقطع الدجاج والنقتز والبيتزا ما تلقونها في الجنادرية دوروا غيرها، لكن صدمتي كانت مدوية عندما صرخ الأولاد أن السيد ماكدونالدز وأمثاله من مطاعم الوجبات السريعة، وغيرها يتبطحون في قرية الجنادرية، ولهذا أرادوا أن يدلوني على أماكنها لأنني لم أصدق كلامهم على افتراضي المنطقي أن الجنادرية يجب أن تكون مجمعا تراثيا لكل ما هو محلي، ولكل ما هو أصيل، وذلك أكثر ما يكون ضروريا في حق الصغار الذين يلزمهم في زحمة التمدن والتحضر أن يتعرفوا على تراث وطنهم دون أن يكون هناك أي شيء من السلع أو المرغوبات الوافدة.

ثم يختم صديقي كلامه: لكنني بالفعل وجدت هذه المطاعم رابضة في قرية الجنادرية على أنني بدعم زوجتي أصررت على أن نتعشى من أكلاتنا المحلية رغما عن رغبة الأولاد، ثم تمنيت على مسؤولي الجنادرية أن يعيدوا النظر في وجود مثل هذه المطاعم وهذه الأكلات الوافدة في مثل هذا المحفل حتى مع كونها تمثل دخلاً للمهرجان.

وأنا أقف إلى جوار رغبة صديقي وأتطلع معه إلى أن يتم مستقبلاً إلغاء مثل هذه الموجودات الطارئة التي لا تنسجم مع طبيعة المهرجان الأصلية.