يولد الإنسان وهو يحمل فطرة سليمة، وبعد هبوطه إلى الدنيا مباشرة تبدأ التغذية مع أول صيحة له في الحياة، وبحسب بيئته تكون مشاربه التي من خلالها ينمو جسديا وفكريا، ثم يتنقل بين مراحل التعليم ويفرح والده بهذا النمو والترقي، وتبدأ أسئلة الأمنيات تطرح من الأهل، ماذا تريد أن تكون في المستقبل "طبيب أم مهندس أم ضابط أمن ... إلخ"، تكون الإجابات في البدايات ساذجة من الأطفال، وربما أقل من طموح الوالدين، ولكن تبقى أمنيات صغار، هكذا تدور عجلة كل إنسان حتى تلفظه الدنيا في لحظة قدره المكتوب.

وبما أننا جميعا نعلم هذه الدورة، وأننا سوف نغادر ويبقى الأثر الذي نتركه، فمن العقل أن نهتم ببصماتنا في المجتمع بعيدا عن المزايدات السخيفة.

تذكرت ما سبق وأنا اقرأ وأسمع عن فجور بعض الأساتذة ممن يحسب على العلم الشرعي حتى فاحت رائحته، وهو يستثقل الدعاء للميت عند سماعه خبر وفاة من كان يخالفه في الرأي، فيتجاوز في التعليق بعبارة لا تصدر إلا من عاصٍ وهو يصف الميت " أراح واستراح "، اجترار للمواقف والخلافات بكل جبن على من ختم حياته الدنيا، وانتقل إلى رب كريم لطيف..

ليسمح لي القارئ العزيز بهمسة ربما حارقة، ولكن تبقى حقيقة المتأثرين بصراع التيارات من حولنا والمتعاطفين معهم، وخاصة جماعة "الإخوان" الذين سقطت عنهم الأقنعة وظهروا جبناء يستترون ويصارعون لبقاء القناع، ولذلك يقعون في بعض الأخطاء المنكرة والممجوجة.

أي عقل يصدق أن الشماتة تصل إلى هذه الدرجة من الفجور، لا أحد من البشرية يتصور ذلك بغض النظر عن دينه وملته.

الجبناء فقط هم الذين يستترون، هم الذين يبرزون في الظلام ويستغلون البلهاء أبواقا تهرف بما لا تعرف، ويهربون من مناظرة المبدعين ومقابلتهم بالحجة والرأي في حياتهم، ثم بكل سفاهة يبرزون عضلاتهم على الأموات ممن كان يلجمهم حجرا، بل وعراهم حتى وصل العظم كاشفا خبثهم وخطرهم على المجتمع.

بقدر الألم الذي يشعر به كل غيور على مجتمعه يبقى مثل هذا الفجور في الخصومة هبة من الله لتكشف بعض الذوات التي صنعت لها اتباعا جهلة تدب على الأرض بلا وعي.

أتمنى أن تسهم هذه الأخطاء في تبصير الناس بأن الظاهر ليس أساس الصلاح مطلقا، فهناك من ظاهره حسن وشهادته عليا، ولكن باطنه خبيث، وشهادته بليدة، وسلوكه مشبوه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.