اتسمت منطقة الشرق الأوسط بالغليان والاضطرابات السياسية على مدى تاريخها الحديث، لكن لم يكن الوضع فيها بالسوء الذي عليه اليوم في أي مرحلة تاريخية سابقة. ولقد فشلت رهانات الولايات المتحدة على قدرة الأنظمة والكيانات العربية على حل مشاكلها بنفسها، وإن الأنظمة العربية لطالما اعتمدت حلولاً وإستراتيجيات من شأنها تأجيج الصراع وتعميق حالة عدم الاستقرار.

بدأ تداعي الأنظمة العربية التي بُنيت على خطأ في عقد التسعينيات من القرن الماضي، مع تصاعد الشعور الشعبي بعدم الرضا واتجاه قوى عديدة -خاصة الإسلامية منها- إلى التحرك لإسقاط الأنظمة الحاكمة سواء كان سياسياً أو عسكرياً. واعتمد الكثير من تلك التنظيمات مبدأ ضرب الداعم الأجنبي لتلك الأنظمة الحاكمة وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولقد وصل الغليان إلى نقطة الانفجار عندما نزلت الشعوب العربية إلى الشارع في ما عرف بـ"الربيع العربي" عام 2011.

ومن وجهة نظر علم السياسة، تُعتبر الثورات مثل "سفينة دون ربان" لا يمكن التنبؤ بوجهة التيار الذي سيدفعها، وهذا ما حدث في الربيع العربي، فبعد النجاح في منع ولادة قيادات ناجحة من رحم الثورات العربية، غرقت دول مثل ليبيا وسورية واليمن في حالة من الإخفاق السياسي والفراغ الأمني والحروب الأهلية.

واستعراضاً لخيارات الإدارة الأميركية في معالجة قضايا الشرق الأوسط، والسياسة التي يمكن أن تتبعها لتحقق أهدافها الإستراتيجية، فإنها اتبعت سياسة النأي بالنفس، في الوقت الذي فيه دول الشرق الأوسط بحاجة لقوة حاضرة، ليس للتبعية، ولكن لتحييد الأزمات عند الضرورة، وإن الضرر الأكبر الذي نتج عن هذه السياسة الأميركية يتجسد في الحال التي آل إليها العراق.

وبهذا يقع اللوم بشكل مباشر على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في جر الشرق الأوسط إلى الحال التي هي عليها اليوم، نتيجة لسياسة النأي بالنفس التي تتبعها، وأدت إلى أن تستل كل حكومة أو مجموعة سيفها وتنزل إلى الميدان لتدافع عن مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة.

ولأن الوضع لن يتحسن قبل انتهاء فترة الرئيس أوباما، فالخيارات التي يمكن طرحها للإدارة القادمة، تتلخص في أن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يتطلب نهجاً جديداً ينصب مباشرة على الأسباب، ويتمتع بالموارد الكافية لتحقيق الأولوية الأولى، وهي إنهاء الحروب الأهلية الجارية عن طريق إرسال مزيد من القوات الأميركية لبؤر الصراع. وعليها أن تقنع الأطراف المتصارعة أن تحقيق النصر الحاسم أمر مستحيل، ومن ثم عليها بناء جيوش قادرة على فرض وقف إطلاق النار.

أما إذا اختارت الإدارة الأميركية القادمة الاستمرار بنفس سياسة الإدارة الحالية، فسيتحتم عليها إجراء حسابات دقيقة حول الأضرار التي ستلحقها الحروب المستعرة دون وازع بمصالحها في المنطقة، والتي تتلخص في: حماية أمن إسرائيل، والنفط، ومحاربة الإرهاب.

ينبغي التحذير من أن الأضرار الجانبية للحروب الأهلية والحروب غير النظامية لا يمكن التنبؤ بها أو توقعها، وهو ما أثبته تاريخ هذا النوع من الصراعات، وبالتأكيد ستكون الولايات المتحدة أمام حالة مستديمة من الاستنفار والاستعداد لمواجهة ومعالجة الأضرار التي قد تلحق بمصالحها في المنطقة.