عند الحديث عن برنامج "التحول الوطني" يتبادر للذهن التحولات التي عاشتها بلادنا منذ تأسيسها إلى اليوم.. وبمقارنة بسيطة نعرف كيف تحول المجتمع البدوي المتخلف إلى مجتمع متحضر يعيش المدنية بكل أبعادها وفي نفس الوقت محافظاً على عقيدته ومثله وقيمه وعاداته وتقاليده التي تميزه عن المجتمعات الأخرى.. ليس هذا فحسب لكننا نعيش تحولات متتالية كل عشر سنوات أو أقل نظير ما نشهده من مشروعات عملاقة يتم إنشاؤها لتقدمنا تلك المشروعات خطوات إلى الأمام في مسايرة مستمرة مع العصر..

وتعيش بلادنا المملكة العربية السعودية هذه الأيام مرحلة تحول كبير عن طريق "برنامج التحول الوطني" الذي تتبناه الدولة الآن الذي تتمحور أبرز ملامحه "لقياس أداء الأجهزة الحكومية من خلال 551 مؤشر قياس، حول 17 مكوناً رئيساً، يأتي في مقدمتها التعليم، والصحة، والإسكان، والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى البيئة العدلية، والخدمات البلدية، والبنى التحتية، إذ حدد عام 2020 موعداً لقياس أداء تنفيذ الخطط والبرامج المطروحة من المسؤولين في الأجهزة الحكومية"، عن طريق "تقويم أداء الوزراء، ورفع كفاءة القطاع الحكومي، والخصخصة، مع إتاحة فرص أكبر أمام مؤسسات القطاع الخاص، بوصفها أبرز المواضيع المطروحة للنقاش، إضافة إلى التركيز على دعم المؤسسات الصغيرة، والتوسع في الخصخصة وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، باعتباره رافداً مهماً للقطاعات الحكومية.

كما يتضمن برنامج التحول الوطني محور "المجتمع" بمكوناته المختلفة التي تشمل "الإسكان، والتعليم والهوية الوطنية، والتدريب والتأهيل والتوظيف، والرعاية الصحية، والترفيه والرياضة والثقافة، وبيئة العيش "نمط الحياة والنقل والبنية التحتية، والعدل والحماية الاجتماعية وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، والحج والعمرة". ويهدف برنامج "التحول الوطني إلى: السماح للمرأة بالتجارة، والعزم على تسهيل الإجراءات بما يحقق تذليل العقبات التي تواجهها وتحفظ حقوقها وفرض ضرائب، أعلى على استيراد السجائر ومواد التبغ، وإيقاف الدعم الحكومي عن الكهرباء والماء لأصحاب الدخل العالي والتجّار وملاك القصور والمزارع، كما سيقتصر الدعم على ذوي الدخل المتوسط فما دون، وحل أزمة الإسكان، وإطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية، وإزالة المعوقات الإجرائية والإدارية والمالية، وتحفيز القطاع الخاص، وتنويع الاقتصاد، ورفع المحتوى المحلي، وتحفيز الاستثمارات، ودعم الصادرات غير النفطية، وعولمة المنشآت المحلية، ودعم الاقتصاد المعرفي والابتكار والإنتاجية، والتوسع في الخصخصة، وتطوير التعليم العام والعالي.. هذه هي أهداف برنامج "التحول الوطني" كما سردها الموقع الخاص للبرنامج.. هذا من حيث التنظير.. محتوى متميز وأهداف طموحة لا يختلف عليها أحد..

المشكلة التي نراها في البرنامج أن يكون قد تمت دراسته من جهات ومراكز بحث أجنبية تعتمد في دراساتها وخبراتها السابقة وتجاربها وبناء نظرياتها على مجتمع دراسة أجنبي يتم استخدام نتائجه والخبرات المكتسبة والنظريات التي نتجت عن تلك الدراسات، يتم استخدام تلك النتائج، على مجتمع مختلف.. هذه هي الخشية الكبيرة، ولعل الأمير خالد الفيصل في افتتاح منتدى جدة الاقتصادى قد أشار إلى هذه المشكلة في كلمته عندما قال: "ولا نخشى الاستفادة من مكتسبات العصر مع الثبات على مبادئنا بكل فخر.. ولا بأس من أخذ المفيد من تجارب الغير، فليس في طلب العلم والخبرة ضير .. نأخذ منها ما تريد على هوانا ولكن، ولكن لا نسلم لحانا لمن يريد لها الهوانا".

لقد أثبتت الدراسات والبحوث بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يمكن أخذ أي تجربة أو فكرة أو نظرية من مجتمع وتطبيقها بحذافيرها في مجتمع آخر.. هذه حقيقة لا تقبل الجدل.. والسؤال الكبير المطروح هنا هو: إذا كان برنامج "التحول الوطني" قد تمت دراسته من قبل شركات أجنبية فهل تمت مراعاة كل ما يخص مجتمعنا وينطبق عليه؟ الاستفادة من تجارب الآخرين أمر مطلوب، والاستعانة بالآخرين لا غبار عليها كمساعدين لا كأساسيين يقومون بكل المهمات أو معظمها، ويطبقون ما ينجح في مجتمعاتهم على أساس أن نجاحه في مجتمعنا أمر مسلم به .. هنا الخطأ، أخشى إن تم هذا أن ندرك بعد أن نصرف الكثير من الوقت والجهد والمال الخطأ الكبير الذي ارتكبناه..

عالمنا اليوم يسير بوتيرة سريعة جداً، ولا وقت للتجريب إذا كانت لدينا رؤية واضحة على أن ما نقوم به لا يخدم وطننا.. أنا هنا أطرح سؤالاً كبيراً أرجو أن تتم الإجابة عليه بكل صراحة وشفافية، هناك تجارب تمت فيها الاستعانة ببعض الخبرات، واتضح أن تلك التجارب لا تنطبق على مجتمعنا، وعندها تم تفكيك تلك التجارب إلى أجزاء، طبق بعض تلك الأجزاء لانطباقه على مجتمعنا، واستبعد بعضها لعدم انطباقه، وكيّف بعضها لينطبق على مجتمعنا، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال وجود تجربة أو مشروع يؤخذ من مجتمع ويطبق في مجتمع آخر مختلف..هذا ما أود تأكيده هنا ..

وخلاصة القول وجود تحولات في مجتمعنا تساير العصر أمر دأبت عليه بلادنا وبرنامج "التحول الوطني" يأتي في هذا السياق إلا أنني هنا باختصار أحذر إن كان الذي درس هذا البرنامج شركات أجنبية أن تأتي بتجاربها الناجحة المأخوذة من مجتمعها وتطبقها بحذافيرها في مجتمعنا المختلف.. إن كان هذا هو الأمر فلنُعِد حساباتنا حتى نكفل نجاح هذا البرنامج الطموح برنامج "التحول الوطني".