يمهد "واتساب" وبشكل ممعن في البطء والهدوء، إلى مرحلة من الانفلات التربوي والسلوكي، بين الناشئة تحديدا، ومن هم في مراحلهم الأولى، لتبلور الملامح الشخصية لديهم. هذا الانفلات ظهرت بوادره بالفعل مع انتشار النكت التي تستعرض بعض التوجيهات والنصائح التربوية، وتجعل منها نكتة أو طرفة تصل بها أحيانا إلى درجة السخرية أو الاستهزاء، إما تعبيرا عن الاحتجاج لفعل لا يروق للبعض الالتزام به، أو مجرد تنفيس، وعادة يكون مصدر هذا التوجيه الأم أو الأب أو المعلم، فيفقد هذا الفعل التربوي -بعد النكتة- الجدية اللازمة لاعتماده كمبدأ عند من يوجه إليه.

وينطبق هذا الأمر نفسه على السخرية أو تأليف النكت على شخصية المربي أو المعلم، ويصوره هو ومبادئه التي يدعو أبناءه إليها بمن لا هم له إلا التنكيد أو التنغيص، وهذا يفقد المعلم أو الوالد هيبته، وينال من أهمية الدور المنوط به، وإن كانت هذه النكت أو الطرائف لن تؤثر في الكبار من الأبناء، إلا أنها تؤثر وبقوة في الصغار الذين ترتسم في أذهانهم للتو ملامح القدوة، هذا النوع من النكات، خاصة مع تداولها مجتمعيا بين المعنيين بها تحديدا، ودفعهم إلى الضحك أو السخرية من أنفسهم.

هذه النكت ستؤدي وببطء كما يفعل "واتساب" حاليا إلى قتل القيم والمبادئ السلوكية التي تقف على مفترق طرق، بين مُربٍ يدعو إليها، ومستهتر يسخر منها، كما أنها تؤدي إلى قتل الصورة الذهنية القائمة للقدوة الذي يمثلها المعلم أو الأب أو الأم.

لقد كانت النكت السياسية على مر العصور هي الأكثر شيوعا، والأقوى تأثيرا وبها واجه كثير من الشعوب العربية والغربية كثيرا من القضايا والأحداث السياسية التي مرت به، فكشفت النكتة بعض مواطن الفساد، وأسهمت في تعرية بعض المنافقين أو من يعملون لمصلحة أعدائه، بل واشتهرت شعوب بعينها بقدرتها على اقتناص أصعب اللحظات وتحويلها إلى نكتة ساخرة.

إلا أن النكتة الاجتماعية التربوية، والتي تنتشر حاليا بين السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي، ستكون أقوى تأثيرا على المدى البعيد، إلا أنه تأثير غير محبب، يؤدي إلى مشكلات تربوية بين النشء.

وإن كانت طبيعة النكتة ومحتواها تتحكم فيهما بشكل كبير ثقافة المجتمع، وطبيعته، ونوعية المشكلات التي يعانينها، فيجب على أصحاب الشأن والقائمين على المؤسسات التربوية البحث عن المشكلات التربوية وحلها، قبل أن تتحول إلى نكتة ساخرة.