يدخل إلينا هذه الأيام معرض الرياض الدولي للكتاب، وللمرة الأولى بلا ضجيج. وكل ما سمعت عنه أن الإدارة المشرفة على المعرض قد منعت ما قبل البارحة دخول كتابين، وهذا ما يحتاجه بالضبط هواة الرقابة وكتبة الاحتساب من أجل الاطمئنان وتسجيل الحضور. ولو كنت في مكان الإخوة في إدارة معرض الكتاب لأصدرت هذا الصباح فكرة عبقرية بمنع 237 كتابا وهميا لمؤلفين وهميين على شاكلة عنوان مثل "أفكار مخترقة" للمؤلف عصام سليطاني، ومن بعده سأرص بقية العناوين والأسماء حتى يرضى هؤلاء، فهم أبدا لا يقرؤون ولكنهم مؤمنون بالوصاية.

أنا لم أشاهد في حياتي فكرة أغبى من قصة الرقيب وحكاية المحتسب الفكري الذي لا زال يظن أن سور الرياض الحجري القديم لا زال قائما، وأن كل فكرة مستوردة لا تستطيع دخول الرياض إلا ببضعة حراس على "دروازة الثميري" الشهيرة. لا زلت مثلاً أتذكر ليلة عودتي إلى وطني الغالي العزيز من بعثتي الدراسية الطويلة ومعي بضعة كراتين لكتب الرحلة الدراسية، وفي المطار احتجزها الرقيب الجمركي ثم قال لي بالحرف الواحد: لا بد لهذه الكتب أن تمر على الفسح. كنت في غاية الدهشة والضحك لأن هذه الكراتين تحتاج إلى طالب دكتوراه جديد كي يقرأ أوراقها ثم يسمح بدخولها، وهذا ما كان بالفعل فقد "فسحها" موظف جمرك بالمرتبة الرابعة في ثلاثة أيام رغم أنني احتجت لثماني سنوات ونصف لقراءتها طوال البعثة.

والخلاصة التي أريد الوصول إليها أننا مع فكرة الرقيب الرسمي والمحتسب المتطوع قد نستطيع التحكم على الأرض ولكننا لن نتمكن من تطويع السماء الفضائي الإلكتروني الذي يفتح لنا كل كتب الكون وأبحاثه. أنا شخصيا قرأت على جهاز "الآيباد" في السنوات الخمس الأخيرة أضعاف ما قرأته من الكتاب الورقي، فلا أكاد أتذكر آخر مرة دخلت فيها إلى مكتبة عامة أو خاصة. وخذ للمثال والبرهان: زميل مهنة وأستاذ جامعي يطلب مني أن أختار له كتابا ليقرأه في رحلة طيرانه الطويلة، وعندما دخلنا على الخيار الإلكتروني وجد الموقع "محجوبا" ممنوعا ولكنه بعد ربع ساعة استطاع اختراقه وتحميل الكتاب كاملا في ظرف بضع دقائق بفضل جهاز إلكتروني آخر اشتراه إلكترونيا أيضا بأقل من مئة دولار. وخذ في المثال الأخير: كتاب "الحقيقة الغائبة" لفرج فودة الذي لا يمكن له أن يكون على الإطلاق في أي درج أو رف من معرض الرياض الدولي للكتاب، لكنني أستطيع أن أقرأه كاملا عبر طلب من صديق خارج الحدود ليرسله بضغطة زر إلكترونية إما عبر "الواتس" أو "تويتر"، وعلى الرقيب الرسمي مثلما على المحتسب المتطوع أن يفهما طبيعة الزمن.. انتهت المساحة.