الظاهرة اللافتة -وهي ظاهرة بالفعل- خلال السنوات الماضية، هي كثرة الدورات التدريبية التي يعقدها هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم للمجتمع، وكأنهم المنقذون الوحيدون الواجب على الناس أن تحتذي سيرتهم العطرة، وتقتفي آثارهم!

دورات لا تعلم من الذي يجيزها؟ وما معاييرها؟ وما ضوابطها؟ والمضحك أن "بعض" هؤلاء فشلوا في حياتهم، وذهبوا يعلمون الناس الطريقة الصحيحة للنجاح -في المجتمع والأسرة والعمل والمال- ولو كنت ناصحا هؤلاء لطلبت منهم تعليق هذا الدعاء المأثور في مكاتبهم وسيارتهم وغرف نومهم: "اللهم أنت أعلم مني بنفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون".

قبل 5 سنوات، حينما كنت أقدم البرنامج الإذاعي "السعودية اليوم"، أردت استضافة مستشار نفسي شهير في جدة، كان سيتحدث عن خصلة التواضع، وأهمية التعامل الأمثل مع الناس، حينما اتصلنا به فوجئنا به يمتلك صفتين لا نظير له فيهما: المماطلة، والغرور الفج، فصرفت النظر عنه!

الأمر ذاته -لو التفت يمينا وشمالا- وجدته ينطبق على بعض تجار الندوات والدورات.

هذا يحاضر عن الاقتصاد وهو "متهلس" ومديون، وهذا يحدث الناس عن حقوق المرأة وهو أول من يستعبدها، وهذه تتحدث عن الأسرة والترابط وهي تعاني الفشل في حياتها الأسرية، وذلك يتحدث عن تنظيم الوقت وهو لا يجد نصف ساعة لإزالة كرشه الممتد أمامه، وذلك الذي يعقد الدورات لتنبيه الناس إلى خطر الخرافات وهو أول من يوهم الناس بوجودها، ويتكسب منها، وهذا يعقد دورة عن آداب الحوار ولسانه يقطر بذاءة في "تويتر"!، وهناك من يعقد دورات صحفية للصحفيين المبتدئين وهو صحفي فاشل، ومحلل أسهم يعقد الدورات وهو أحد "المتعلقين" منذ 2006!

السؤال: هل من حق كل إنسان أن يعقد ما يشاء من دورات، وبرامج؟ هل من حقه أن يتكسب ويربح خلال بيع تجاربه الوهمية؟

إن كان الأمر لا يخضع إلى قانون، فهو فرصة ثمينة للعاطلين -والمتقاعدين مثلي- لاستغلال هذه النافذة الاقتصادية المربحة!