هناك حقيقة تتمثل في أن إيران دولة جارة ولا يمكن أن نغير الجغرافيا أو نختار جيراننا. هذا الواقع الجغرافي انعكس على العديد من الجوانب الثقافية والتاريخية والدينية، وهناك مشتركات كثيرة بين العرب والفرس على مدى العصور. منذ عدة سنوات طالبت، عبر منابر إعلامية متنوعة ومتعددة، بإنشاء مركز عربي للدراسات الإيرانية. نؤكد هنا على أن الدافع لتأسيس مثل هذا المركز ليس طبيعة العلاقات السياسية السابقة أو التوتر الكبير الراهن في العلاقات العربية الإيرانية ، بل إن هناك حاجة إلى فهم حقيقة وواقع هذا الجار على كافة الأصعدة حتى نتمكن من التعامل وفقاً لذلك. بعبارة أخرى، ليس من الحكمة ولا المنطق تأسيس مركز بسبب مواقف سياسية معينة. العلاقات السياسية بين الدول متغيرة وليست ثابتة، وبالتالي كيف يتم إقامة مشاريع ضخمة بناء على عوامل متغيرة؟
لابد أن ندرك، ويدرك القارئ الكريم أن عمل مراكز البحوث والدراسات محكوم بأطر وقواعد ومنهجيات تحكم العمل البحثي والعلمي. ونحن نتحدث عن مركز متخصص في الدراسات الإيرانية، نؤكد على نقطة نرى أنها في غاية الأهمية وهي أن فهم إيران سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي والأدبي أو الديني أو الاقتصادي...الخ، لا ينبغي أن يرتبط بطبيعة العلاقة السياسية بينها وبين دول الجوار العربي. إيران كما ذكرت سلفا دولة جارة ولن نستطيع تغيير هذه الحقيقية وبالتالي لا بد من فهمها، وهذا الفهم لا يتحقق إلا من خلال العمل البحثي المؤسسي الرصين وفي مختلف المجالات. بل إنني لا أبالغ إذا قلت لك إن مثل هذه المراكز المتخصصة قد تسهم أيضا في تحسين العلاقات بين الدول والوصول إلى حل لبعض الملفات العالقة.
ومن المعلوم أن كثيرا من دول العالم المتقدم تعمد عند رسم السياسات الداخلية والخارجية إلى الاستئناس بدراسات وتوصيات مقدمة من مراكز بحثية وبيوت خبرة متخصصة تساعدها في اتخاذ القرارات، وبذلك تصبح بمثابة رافد إضافي لما تمتلكه المؤسسات الحكومية من خبرات متراكمة في عملية صناعة القرار وقراءة الأحداث واستشراف المستقبل.
قد يرى البعض أن بيوت الخبرة ومراكز الدراسات الإستراتيجية الغربية تجعلنا في غنى عن تأسيس مثل هذا المركز. إن الاعتماد على مراكز البحث الغربية ليس حلا بل مسكنا مؤقتا ما يلبث أن يذهب مفعوله. كنت قد طالبت قبل نحو 3 سنوات بتأسيس مثل هذا المركز، وذكرت أنه ينبغي الاعتراف بداية بأن معظم ما يصل إلى وسائلنا الإعلامية ومجلاتنا البحثية الخليجية بل والعربية عن الداخل الإيراني يتم عبر وسيط ثالث ألا وهو وكالات الأنباء العالمية والغربية تحديدا، وهذا بطبيعة الحال لا يجعلنا على اطلاع تام على الأحداث هناك ومتابعة المستجدات على الأرض أولا بأول. علاوة على ذلك يجب أن نعترف أيضا بأن الإعلام الغربي، في الغالب، يركز على الأحداث التي تكون داخل نطاق اهتماماته أو ما يكون مرتبطا بقضية دولية معينة كالبرنامج النووي الإيراني وملف حقوق الإنسان ونحو ذلك.
بعبارة أخرى، لا يتطرق الإعلام الغربي لما يعرض في الإعلام الإيراني ويخص الشأن العربي على وجه التحديد، كما أنه لا يقدم دراسات بحثية حول معظم القضايا التي تهم الشأن الخليجي والعربي عند الحديث عن إيران. من هنا تكون الحاجة مُلحة إلى تأسيس هذا المركز ليسهم في سد هذا الفراغ الكبير في جانب الدراسات الإيرانية المركزة والمعمقة على كافة الأصعدة.