لا يمكن أن أترك نفسي لأهواء أي ممن حولي. لا يمكن أن يؤثر بي الإعلام أو حتى حكايات جاراتنا على مائدة العشاء. لم أكن لأترك نفسي دون أن أشد عليها، ودون أن أبحث كما ولو أنها المرة الأخيرة التي في حياتي سأبحث بها عن معلومة أوعن فكرة، بصرف النظر عن كل ما يقوله من حولي، كنت أنتهز كل الفرص التي أمامي كي أفكر، وأبعد نفسي عن أن أجنح في أي مناقشة أو أسلوب أو محتوى. لم أكن أريد أن أكون سمكة سهلة الصيد لأعدائي، وقبل 14 فبراير 2011 أي قبل أن تحدث الفتنة الغبية في البحرين، لم أكن إلا امرأة وسطية، لكن بعدما حدث في البحرين، ولأني أكملت دراستي الجامعية بها، وبكيت أكثر مما ينبغي خلال الأحداث، وجدت نفسي متحمسة لمذهبي أكثر من أي وقت مضى، رغم أن كتابي الذي تم منعه من البيع في المكتبات في السعودية والكويت "أنا سنية وأنت شيعي"، لم يكن سوى مشوار طويل من المشاعر والألفة الإنسانية بين السنة والشيعة، بعيدا عن الانفعال والتطرف، ولكني أعترف الآن، والجميع يعرف أنني تغيرت كثيرا.. كثيرا، يمكنك أن تدعوني متحمسة لمذهبي، وهذا الأمر في حد ذاته لا يدعوني إلى التعب أو الضجر، ولكن لربما يعانيه من حولي فقط، لأنهم يريدون أن أكون متسامحة مع جميع الأديان والمذاهب، أملا في عدم الوقوع في أي حساسية درامية مع الآخرين.

وأدون كل ما سبق، لأني وجدت نفسي وقد شعرت بكثير من السخرية المريرة، وكأني أعيش على أطراف العالم وليس في وسطه، حينما قررت إحدى القنوات المعروفة بتخصيص أولى فقرات أخبارها، في الأسبوع الماضي للحديث فقط عن الشيخ محمد العريفي، هل تتخيل أنه من الممكن أن يحدث ذلك في أي القنوات الفضائية في الوطن العربي، دعك من العالم الغربي، فلا يمكن لي مقارنة قنواتهم الفضائية بما يحدث في قنواتنا الابتدائية؟

أمر مخجل حقا، حينما تقوم قناة كبيرة ولديها مسيرة مهنية لا بأس بها، بالحديث عن العريفي لـ10 دقائق كاملة، المضحك في الأمر طريقة حديث مذيعيها عن العريفي، لقد شعرت وكأن الشيخ يقود معركة ضد المسلمين، أو أنه يحاصر المواطنين في دمشق وبغداد!

يا إلهي، أي هراء هذا الذي نعيش فيه، وكأنه لا أهمية لأي موضوع على الساحة العربية سوى الحديث عن تكذيب لما ذكره العريفي خلال برنامج "سناب شات"، بأنه قرر ألا يذهب إلى الجزائر، فإن ذهب وإن لم يذهب ما أهمية الأمر لنا نحن كمشاهدين؟ ما أهمية تعظيم وتصعيد الموضوع الذي لا يمكن أن أجد أتفه من أن ينشر على الإعلام، إلى جانب تسليط الضوء على ما بثه الإعلام الجزائري الذي لم يرحب بقدوم الشيخ، وهذا شأن خاص بالجزائر، فقد تم منع العريفي مُسبقا في أكتوبر من العام الماضي من إلقاء محاضرة في المغرب، قبل أسبوعين فقط من موعد وصوله، وإلقاء محاضرة في قاعة المهدي بن بركة في العاصمة في الرباط، وكان يفترض أن يقدّم محاضرة بعنوان "دور القرآن في بناء الإنسان".

لم يتقبل كثيرون، وعلى الأخص مثقفو المغرب، وجود العريفي في ديارهم، فأطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي عريضة إلكترونية على أحد المواقع العالمية للحملات المجتمعية، يطالبون فيها بمنع المحاضرة، تعبيرا منهم عن رفضهم لما أسموه "استقبال الأصوات المحرضة على العنف والظلامية"، إلى جانب تأكيدهم على أن الشيخ العريفي أصدر كثيرا من الفتاوى المثيرة والغريبة عن المنطق الإنساني، كمنع انفراد الفتاة مع والدها، وفتوى جهاد المناكحة، وتأييده تنظيمات مصنفة متطرفة، مشددين على أن العريضة التي تم رفعها هي من أجل حث الدولة المغربية على منع العريفي وأشباهه من دخول المغرب، وشحن عقول الشباب بالأفكار البائدة التي هو في غنى عنها.

ألهذه الدرجة يمتلك العريفي ذلك الحضور اللافت الذي يمكن أن يسبب فتنة وانشقاقا في وحدة الصف العربي؟

لقد عرفت الشيخ منذ أول ظهوره، لم يرق لي، لم أتابعه، لم أحاربه، لم أستمع إلى خطبه، لم أهتم بمتابعته في أي من برامج التواصل الاجتماعي، لم أهتم لأي من أخباره، أقرؤها كأي قارئة عادية، لا يمثل بالنسبة لي كابوسا، ولا أسعى إلى فهم ما يقوله، لأنني ببساطة لا أهتم لشخصه، لكن حينما يتم تخصيص 10 دقائق كاملة له في نشرة أخبار يومية في قناة شهيرة، فالأمر يدفعني كي أبحث عن معنى غيبوبة الإعلام العربي.

في الحقيقة، أكثر ما أضحكني هو شعوري بأن المذيعين في النشرة، كانا يلقيان الخبر بطريقة وكأن العالم سيقع بعد ثوان على الحافة! أمر مخجل حقا.