يعرف الرأي العام بأنه الاتجاهات ووجهات النظر المعبر عنها بواسطة الجمهور حول القضايا العامة، سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، ويرتبط وجوده الفعال بمساحة حرية التعبير وعدم عزوف الجمهور عن الاهتمام بالشأن العام.

أما الرأي العام الإسرائيلي المعبر عن تجمع استيطاني إجلائي لجماعات يهودية، أقيم على حساب الشعب الفلسطيني وعلى أنقاضه، فثمة قيم أساسية تميزه عن قيم المجتمعات العادية، أي القيم الإنسانية مثل الحق في المساواة والمواطنة المتساوية والحرية والعدالة والملكية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، مرفوضة وملفوظة لدى الغالبية العظمى من الإسرائيليين حين يكون الحديث عن العرب الفلسطينيين أو العرب عموما.

لقد أنتج المجتمع اليهودي الإسرائيلي شبكة متماسكة من القيم والمعتقدات العنصرية التي تشحنه دوما وتعبئه نفسيا لمواصلة الصراع ضد العرب، وقد ركزت هذه المعتقدات والقيم العنصرية، على "أخلاقية" أهداف إسرائيل في التوسع وعلى "صدق وعدالة" تحقيق هذه الأهداف، ووضعت أمن الدولة والأمن الجماعي والفردي فوق أي اعتبار، وتقمصت دور الضحية، مع أن هذه الضحية هي التي تحتل وتبطش، وطورت "عقلية الحصار" وعززت الشعور القومي والوحدة الوطنية أمام الخطر الخارجي، ونزعت شرعية العرب وجردتهم من إنسانيتهم وحطت من مكانتهم وأخرجتهم من المجتمع الإنساني.

وقسمت استبيانات استطلاعات الرأي العام المجتمع الإسرائيلي الصهيوني إلى خمس مجموعات: يسار متطرف، يسار معتدل، مركز، يمين معتدل، يمين متطرف.

ويعد "برنامج الأمن القومي والرأي العام الإسرائيلي" الذي أسس سنة 1985 لدراسة مواقف اليهود الإسرائيليين وتحليل آرائهم ومفاهيمهم سنويا وبشكل مستمر، من مختلف جوانب الأمن القومي الإسرائيلي، أفضل أداة لرصد آراء اليهود الإسرائيليين وحدهم، فيما يتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي، وقد أجرى هذا البرنامج عشرات الاستطلاعات للرأي العام الإسرائيلي.

وتحتل "المسألة الديموجرافية" القيمة العليا بين مجموعة من القيم لدى الرأي العام الإسرائيلي، لأنها تركز على ضرورة الحفاظ على أغلبية يهودية في إسرائيل، تليها في الأهمية القيم التالية: "ديمقراطية الدولة"، "أرض إسرائيل الكبرى"، "حالة سلام".

أما تراتبية الأخطار التي تضمنتها استبيانات كثيرة فكانت على النحو التالي: في المكانة الأولى: امتلاك إيران السلاح النووي، وفي المكانة الثانية: أسلحة كيماوية وبيولوجية في أيدي دول معادية، وفي المكانة الثالثة: تجدد "الإرهاب" بوتائر عالية، وفي المكانة الرابعة: أزمة اجتماعية - اقتصادية عميقة في إسرائيل، وفي المكانة الخامسة: الفساد في القطاع العام في إسرائيل، وفي المكانة السادسة: قيام نظام غير ديمقراطي في إسرائيل، وفي المكانة السابعة: حرب مع سورية، وفي المكانة الثامنة: إعادة المناطق المحتلة لقاء السلام.

وكانت موضوعات استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، التي أجريت خلال عام 2015 والشهرين المنصرمين من عام 2016، تتمحور حول المسائل التالية: الخشية من محرقة أخرى، الاعتقاد أن العالم ضد الإسرائيليين، مرشحو الرئاسة الأميركية، مستوى الحياة، الموقف من السياسيين الإسرائيليين، الكراهية العنصرية متفشية في إسرائيل، إعادة بناء مستوطنات غزة، تطبيق حل الدولتين، طرد العرب من إسرائيل، شعبية نتنياهو، ماهية بنية خريطة إسرائيل الحزبية، شعبية المعسكر الصهيوني، الثقة بأجهزة الأمن، مراقبة الإنترنت، والتخوف من اغتيال سياسي آخر في إسرائيل.

وعلى سبيل المثال، وخلال النصف الأول من شهر مارس الجاري، نشرت نتائج استطلاعين منفصلين لكنهما يعكسان عقلية واحدة، عنصرية استعلائية وصائية، الأول، استطلاع واسع أجراه مركز "بيو" الأميركي، والذي أظهر أن نصف اليهود في إسرائيل يؤيدون ترحيل المواطنين العرب، أما الاستطلاع الثاني فهو الذي نشرت نتائجه القناة الإسرائيلية الثانية، وحاولت من خلال الإيحاء بالتضليل وكأن أكثر من 50 في المئة من المواطنين العرب يعتقدون أن القائمة المشتركة لا تمثلهم.

رغم خطورة نتائج الاستطلاع الأول، إلا أن معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية اختارت تناول استطلاع القناة الثانية وتكرار الادعاءات الممجوجة بأن أعضاء الكنيست في "القائمة المشتركة" لا يمثلون المواطنين العرب، رغم أن نتائج الاستطلاع الحقيقية تظهر أن أكثر من 70 في المئة من المستطلعين قالوا إن القائمة المشتركة تمثلهم وإن بدرجات متفاوتة.

وبدلا من تناول النتائج الخطيرة لاستطلاع "بيو" والتي تؤكد أن حكم اليمين في العقد الأخير يأتي "ثماره"، وأن منسوب العنصرية والعداء للعرب في ارتفاع مستمر، اختار صناع الرأي في إسرائيل من سياسيين وإعلاميين الهتاف بأن كل العرب سواسية وأن الوجه الحقيقي لمن كان حتى فترة وجيزة "الوجه المعتدل" في القائمة المشتركة، عضو الكنيست أيمن عودة، قد انكشف وأنه لا يختلف في الحقيقة عن "المتطرفة" حنين زعبي.

وكان استطلاع للرأي بثّته القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي في 23/ 1/ 2016 قد أظهر أن زعيم حزب "يسرائيل بيتانو" اليميني المتطرف، أفيجدور ليبرمان، تصدّر الاستطلاع بنسبة 30 %، على اعتباره الشخص الأكثر ملاءمة لعلاج المشاكل الأمنية والتصدي للهجمات "الإرهابية"، وفق تعبير القناة، في إشارة للهبّة في الضفة الغربية المحتلة.

وحل رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، جابي أشكينازي، الذي قاد عدوانين على قطاع غزّة، ثانيًا، بنسبة تأييد 15 %، بينما جاء اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، ثالثا بنسبة 13 %. أما رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، فقد حل رابعا، بنسبة 11 % تلاه رئيس المعسكر الصهيوني، يتسحاق هرتسوج بنسبة 5 %، وحول الرضا عن أداء نتنياهو، أفاد 68 % من المستطلعة آراؤهم أنهم غير راضين عنه في حين قال 28 % إنهم راضون عنه.

وتشير هذه العينة من استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي إلى استمرار المجتمع الإسرائيلي في سيره نحو مزيد من التصلب والعدوانية والتطرف في جميع مركبات الصراع، وهي: مبدأ الأرض مقابل السلام، ومستقبل المناطق الفلسطينية المحتلة في عام 1967، والمستوطنات بتصنيفاتها المختلفة، والانسحاب الأحادي الجانب، والدولة الفلسطينية.

وهكذا استمرارية للتوجهات وفق نتائج الاستطلاعات التي كثيرا ما قيل فيها إنها "مثل العطر يحسن التزين به وليس شربه"، تؤكد صراحة أنها توجهات مسبقة الصنع، وفي منزلة لزوم ما لا يلزم.