الحوارات الثقافية ذات الطابع التجريدي التهويمي التي تحمل أسئلة مفتوحة وإجابات قابلة لكل شيء، كانت موضة زمن ما ارتبطت بقصور الوعي والبحث عن إجابة لكل الاستفهامات الكبيرة في أمة أغلبها لا يقرأ ولا يكتب، وطابعا ثقافيا محضا لأنظمة شديدة القسوة والارتياب لكل ما هو ثقافي ومثقف، "أسئلة من نوعية " كيف يمكن قراءة اللحظة الكونية الراهنة وتحدياتها؟ كنت أظنها انقرضت، لكنها للأسف ما زالت حاضرة وإن أخذت أشكالا وألوانا، التعميم الذي لا يشير إلى شيء والتجهيل ذو الصبغة التنويرية وسوق الثقافة الذي يبور ويكسد يوما بعد آخر، المشروعات الفكرية التي تحاول عبور الشاشة بين برنامج وآخر لا تجلب إعلانا ولا تقيم سوقا ولا تفرض احتراما هي عبارة عن حملة علاقات عامة وتشابكات ارتباطية يتم تجديدها بين أحايين وأخرى، حتى التجارب الحياتية المختلفة والمميزة وسير الناس التي لا تتشابه لا يتم التطرق إليها، ينخرط الجميع في ماكينة كلام وتنظير ورؤى عابرة لا أحد يريد تحديد الأشياء والإشارة لها بدقة، والذين مهنتهم الكلام والكتابة يعجزون عن إيجاد صيغ جاذبة لصنعتهم، ما زلت أذكر مذيعا اسمه "مروان صواف" أستاذ في التجريدات اللفظية قادرا أن يسأل سؤالا لربع ساعة، ورياض نعسان آغا من ذات المدرسة وآخرون لا أذكرهم هنا وهناك ما زالوا امتدادا لنهج نافورة الثرثرة، لذا وبكل بساطة لا يشاهد أحد هذه النوعية من البرامج والحوارات ولا تجلب إعلانات وهي أعباء على قنواتها بلا متعة ولا جاذبية، لكن الثقافة صناعة والصناعة قادرة على النجاح، ستطلب أمثلة على ذلك وأقول إن القنوات الوثائقية المتخصصة بمختلف مصادرها تجارب ناجحة في القيمة والنوعية وجاذبية البرامج، المسألة سهلة "أعط المشاهد متعة وارمه  في البحر".