لا تعد سجالات النخب السورية حول تسمية سورية الجمهورية السورية، أو الجمهورية العربية السورية، نوعا من الترف الفكري أو "الفذلكة" اللغوية أو استنساخا لقصة الدجاجة والبيضة وإشكالية أيهما الأسبق في الوجود. بل هناك مبررات لتلك السجالات بغض النظر عن خلفيات المنخرطين فيها، ودوافع موضوعية وطنية وسياسية واجتماعية وديموجرافية، فضلا عن متطلبات المرحلة السياسية التاريخية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وعلى نحو خاص سورية.

لذلك، لا بد من تتبع المسار التاريخي لعملية صياغة وتركيب هذا الكيان السياسي الذي تعرضت خريطته السياسية للتغيير مرات عدة، وبالتالي تغيرت الهويات الوطنية والإثنية والأقلوية لتركيبته الديموجرافية.

بداية، في العهد القصير زمنيا للملكية في سورية، ووفقا لما عرف باسم دستور الملك فيصل أو للدقة مشروع الدستور المؤلف من 147 مادة، والذي عرض على المؤتمر السوري الذي أقر عددا من مواده في 13 يوليو 1920. كان شكل الدولة اتحاديا، واستقلالا ذاتيا واسعا للمقاطعات "سورية، لبنان، الأردن وفلسطين"، إذ تدار على أساس الحكم الذاتي، ولكل مقاطعة حاكم عام يعينه الملك ومجلس نيابي وحكومة محلية. وكان نظام الحكم ملكيا نيابيا "برلمانيا"، والسلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية، حيث الحكومة المركزية المسماة بـ"الحكومة العامة للمقاطعات السورية" مسؤولة عن أعمالها أمام المجلس النيابي العام.

وتكونت السلطة التشريعية من مجلسين: مجلس النواب الذي ينتخب بالاقتراع العام السري وغير المباشر على درجتين، ومجلس الشيوخ المؤلف من أعضاء نصفهم ينتخبون من نواب المقاطعات، والنصف الثاني يعينهم الملك.

وضَمِن مشروع الدستور الحريات المدنية والدينية والشخصية بصورة تشبه شرعة حقوق الإنسان والمواطن التي أعلنتها الثورة الفرنسية عام 1789.

لكن دخول الجيش الفرنسي إلى دمشق بقيادة الجنرال جورو في 24 يوليو 1920، تسبب في تعطيل أعمال المؤتمر السوري وبالتالي إلغاء مشروع دستور المملكة السورية واستبداله عام 1928 بمشروع دستور آخر ورزمة دساتير أعلن عنها أعوام 1930 و1932 و1936، لكل من لبنان والإسكندرونة ومنطقة العلويين وجبل الدروز. وتميز دستور 1943 بإدخال منطقة العلويين وجبل الدروز في الدولة السورية.

ووفق هذا الدستور تم إقامة دولة بسيطة ذات نظام حكم جمهوري نيابي، والتعهد بضمان حقوق الطوائف الدينية المختلفة والحقوق التقليدية للإنسان والمواطن.

وتعددت دساتير عهد الانقلابات العسكرية، فقد أخذ دستور حسني الزعيم بالنظام النيابي مع طغيان السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية. وتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتكرر فيه تعبير "الأمة" و"الأمة السورية" رغم ما نصت عليه المادة الأولى بأن سورية "جمهورية عربية".

أما قائد الانقلاب العسكري الثاني سامي الحناوي، فقد أعطى الحكم لحكومة مدنية، وضعت قانون انتخابات عامة، إذ جرى انتخاب جمعية تأسيسية في 15 نوفمبر 1949، أصدرت أحكاما دستورية مؤقتة. وتحت سيطرة أديب الشيشكلي قائد الانقلاب العسكري الثالث في 19/ 12/ 1949 تم إقرار الدستور الجديد في 5 سبتمبر 1950. الذي كان من أهم خصائصه أنه: يقيم نظاما جمهوريا نيابيا. ويفصل بين السلطات الثلاث "التشريعية والتنفيذية والقضائية".

وكرس الدستور المؤقت لدولة الوحدة السورية المصرية نهاية النظام النيابي في سورية واستبعد التعددية الحزبية. وفي عهد الانفصال تم إقرار إعادة تطبيق دستور 1950 مع بعض التعديلات وأهمها: تعديل تسمية الجمهورية من "الجمهورية السورية" إلى "الجمهورية العربية السورية" وهي التسمية السائدة حتى الوقت الراهن.

وثمة من يعتقد أن اليفدرالية هي من أهم متطلبات علاج أزمات وصراعات الدولة السورية المكونة من بنية وحاضنة اجتماعية فسيفسائية المكونات الدينية والمذهبية والطائفية والقبلية والقومية. واستنادا إلى تصنيفات دينية وقومية-إثنية وأكثرية وأقلوية، تكونت بنية المجتمع السوري من لوحة الفسيفساء التالية: السنة والعلويون "الخياطون والحدادون والمتاورة والكلبية والمرشديون والحيدريون والكلازية" والإسماعيليون والشيعة الإثناعشريون، والدروز والأزيديون والمسيحيون "بروتستانت، لاتين، موارنة، روم أرثوذكس، روم كاثوليك"، والأرمن "جريجوريون وكاثوليك"، ونسطوريون وآشوريون وكلدان وسريان ويهود، وعرب وأكراد وآشوريون وآراميون وتركمان وشركس، وقبائل وعشائر وبدو وغجر.

 وتعد الفيدرالية نظاما سياسيا عالميا يقوم فيه مستويان حكوميان بحكم المنطقة الجغرافية نفسها والسكان أنفسهم. ومن أبرز أنواع الفيدرالية:

1-الفيدرالية المدمجة التي تتجسّد في نظام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية حاليا، إذ يتم اتخاذ القرار بشكل مركزي دون مراجعة الولايات، لأن كل ولاية من الولايات يمثلها سيناتوران "ممثلان" في السلطة التشريعية وهما لا يعينان من حكومة الولاية بل يختارهما مواطنو الولاية مباشرة عن طريق الانتخابات وبالتالي فهما يمثلان قرار الولاية.

2- الفيدرالية المتشابكة تشارك الولايات في عملية اتخاذ القرار بشكل أوسع، إذ يقوم ممثلو الولاية بالمشاركة في أجهزة النظام المركزي كالحكومة والمجلس التشريعي على شكل كتلة تتفاعل مع غيرها من كتل الولايات الأخرى، ومن هذا المجموع ينشأ الجسم المركزي للدولة، أو يشكل ممثلو الولاية كتلة تراقب عمل الحكومة المركزية، وتمارس حق النقض بالأغلبية البرلمانية لأي قرار تتخذه تلك الحكومة.

وتقوم الهيكلية الحكومية للدول الفيدرالية على كل من حكومة مركزية وحكومات موجودة في وحدات سياسية أصغر تدعى بالولايات أو الإمارات التي تعطي بعض قوتها السياسية للحكومة المركزية، كي تعمل من أجل المواطنين، وتقوم كل من الحكومة المركزية وحكومات الولايات بصياغة القوانين.

وتواجه الفيدرالية رزمة إشكالات محددة منها: موضوع الاستقرار، فالفيدرالية من أحد جانبيها قد تقود نحو تفتيت الدولة أو تشديد مركزية الدولة. ويُعد توزيع السلطة بين الحكومة المركزية والولايات من الإشكالات الحرجة التي تواجه المفهوم العام للفيدرالية، وأيضا هناك إشكال العدالة في النظام الفيدرالي والقدرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تضمن عدم التناقض بين احترام استقلالية الولايات وتطبيق إعادة توزيع الثروة في ما بينها.

كما تضع الفيدرالية تحديات عدة أمام الديموقراطية، خاصة إذا كانت الفيدرالية من النوع الانضمامي، كما تؤدي الطبيعة المعقدة للفيدرالية إلى التداخل مع معايير الشفافية والمحاسبة، وتحتاج الخطة السياسية التي ينتهجها كل موقع من مواقع السلطة، إلى أن يدافع عن نفسه أمام التهم التي توجهها إليه الديموقراطية. وعادة ما تؤدي الفيدرالية إلى تقليص سلطة الأكثرية، إذ تقوم القوانين الفيدرالية بتخفيف الثقل الانتخابي لولاية من الولايات لمصلحة ولاية أخرى تقل عنها في عدد الناخبين، أو تعطي لكل الولايات حق نقض القوانين المركزية، مما يجعل الأقليات تخرق مبادئ المساواة.

ويتم في سياق عملية تسويق فدرلة سورية تجاهل قاسم مشترك أعظم بين كل أنواع الفيدراليات المعمول بها، وهو أن تبنى الفيدرالية كنظام سياسي هدفه الرئيس توحيدي ضمن دولة كبيرة، ولم يكن هدفه تقسيميا للدولة.

وفي بعض الأحيان لم يستند إلى عامل قومي أو إثني أو ديني. وذلك لكون الفدرالية في جوهرها تطويرا محمودا للتقسيمات الإدارية التقليدية، وللنظام اللامركزي، أو نظام الإدارة المحلية.