في 14 مارس الجاري، وفي الوقت الذي بدأت محادثات السلام بشأن سورية في جنيف، أخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب على حين غرّة، عندما أعلن أن موسكو حققت أهدافها في سورية "بشكل عام"، وأمر بانسحاب جزئي للقوات الروسية، وطلب من وزارة الخارجية الروسية "تكثيف" مشاركة روسيا في محادثات السلام. لكن هذا الإعلان لم يكن سوى واجهة. إذ لم يتغير شيء يذكر.

فالمنشأة البحرية الروسية في "طرطوس" وقاعدة "حميميم" الجوية الروسية تعملان كالمعتاد. وقال بوتين إنه من الممكن تعزيز وجود قواته في غضون ساعات.

وفي هذا الصدد، أشارت جاريت كامبل من معهد "بروكينجز" إلى أنه "خلال الحفاظ على قدرة منع الدخول ضد الغرب وتركيا، يضمن بوتين عدم بروز محاولة لعكس ميزان القوى على أرض المعركة أو تخفيف الكارثة الإنسانية المستمرة من جراء وجود روسيا وحلفائها".

ولكن كيف ينظر الشعب الروسي إلى هذا الموضوع؟ بين ألحان جوقة الكرملين الدعائية، نسمع أصواتا أخرى غير مخدوعة، كتلك الآتية من "صدى موسكفي" - المحطة الإذاعية الليبرالية، على سبيل المثال.

لقد أخبر بوتين الشعب الروسي بأن هدف الوجود الروسي في سورية هو هزيمة تنظيم "داعش" في سورية، إذ إن سورية هي مهد الحضارة الروسية.

وفي هذا السياق كتب المحلل السياسي أندريه بيونتكوفسكي أن هذا التصريح كان عبارة عن "هدف رسمي مُعلن، ولكن الجميع يدركون أن الهدف الحقيقي هو مساعدة بشار الأسد في التعامل مع المعارضة. والآن ها هم مسؤولو الكرملين يذرون الرماد في عيون مشاهدي التلفزيون، ويوردون قائمة بالإنجازات الإنسانية التي يحققونها".

على مدى الأشهر الستة الماضية، هيمنت سورية على نشرات الأخبار الروسية. حتى إنها في الواقع حلت محل أوكرانيا. فكما كتب أنطون أورخ ساخرا من السلطات الروسية، "قبل عام تغير كل شيء. واتضح أن سورية هي أرضنا المقدسة، وأن مصير بلدنا، وربما مصير العالم أجمع، يتقرر في سورية على وجه التحديد"، على الرغم من أنه أشار قبل التدخل إلى أن الغالبية العظمى من الروس لن تكون قادرة على العثور على سورية على الخارطة.

إن نظام بوتين أقل استقرارا مما قد يبدو للعيان، كما أن مستقبل روسيا ما يزال غير مؤكد.

في الوقت نفسه، يطرح انسحاب بوتين الوهمي مسألة أكثر إلحاحا. فإذا لم تعُد سورية تتصدر الأخبار، ما القضية التي سيستخدمها الكرملين لإلهاء الرأي العام؟ هل سيشرع بوتين بمغامرة أخرى؟ وكما كتب فلاديسلاف ناجانوف، العضو في "المجلس المركزي لـ"حزب التقدم" الذي يترأسه أليكسي نافالني: "سننظر الآن إلى جميع الدعاة المهنيين وشبه الوطنيين، الذين أكدوا في الأمس بحماسة شديدة أن روسيا ستواصل محاربة الإرهاب الدولي في سورية حتى النهاية. لا بأس بذلك، فهي لن تكون المرة الأولى التي يفعلون ذلك".