لست معنياً بكل هذه المعارك الطاحنة حول بضعة نساء يردن العمل محاسبات في "البقالات".. الأمر لا طائل وراءه!

أي شخص عاقل يقرأ التاريخ جيدا، ويراقب صيرورة المجتمع وتحولاته، يدرك أن المسألة يحكمها عامل الزمن فقط.

ألا تذكرون قبل ثلاث سنوات حال معرض الكتاب؟! ـ حينما كان رب العائلة يتم منعه من الدخول بصحبة عائلته.. كان الرجل يدخل مع عائلته إلى "هايبر بندة" والعثيم مول للتسوق.. وأمام بوابة معرض الكتاب يمنع هذا الرجل من مرافقة عائلته!

كان الأمر مثيرا للسخرية.. وباعثا على الغرابة!

بعد مرور سنوات قليلة رفض المجتمع هذا التصرف لأنه مخالف للطبيعة البشرية.. وأصبح الجميع اليوم بمن فيهم أصحاب المنع يتجولون في معارض الكتاب بصحبة أسرهم وأطفالهم!

في قضية "الكاشيرات" التاريخ يعيد نفسه تماما: المرأة يسمح لها بالعمل محاسبة في مركز طب الأسنان ويسمح لها بالعمل محاسبة في المستوصف ويسمح لها بالعمل محاسبة في المستشفى الخاص، ويتم منعها من العمل محاسبة في السوبر ماركت!

هي سنوات قليلة أخرى وستعمل المرأة محاسبة في الأسواق.. مهما كان علو الصوت الرافض لا يمكن له أن يوقف حركة المجتمع..

كل الذي كنت أتمناه ألا يتم الزج بهيئة كبار العلماء في الموضوع.. لم أكن أتمنى أن تصبح الهيئة الموقرة ـ وهي أعلى هيئة إسلامية في العالم ـ أداة في يد هؤلاء المتحمسين يستخدمونها في حروبهم ومعاركهم من التيار المتطرف الآخر.

ينبغي أن تكون هيئة كبار العلماء الموقرة ـ في منأى عن المتربصين بها من أصحاب الغايات وغيرهم.. الهيئة يجب أن تتفرغ للخطوط العريضة والقضايا الكبرى.. فإن كانت الهيئة الموقرة تريد الخوض في القضايا الاجتماعية فهذا أمر حسن.. لكن يفترض أن يكون ذلك وفقا للأهمية.. بمعنى: هناك قضايا أهم من قضية امرأة تعمل محاسبة في دكان.. هناك قضايا الفساد وسرقة المال العام والرشوة والمحسوبيات والمنح والمخصصات وتردي الخدمات الصحية والتعليمية.. ألست معي يا سماحة المفتي العام؟!