يتفق الكثير من المفكرين على أن المعضلة الحقيقية التي تقف في وجه تطور المجتمعات العربية والإسلامية وخروجها من دائرة الصراع الداخلي، هي معضلة "التفكير بالنيابة" التي لم تقتصر على العامة أو متوسطي التعليم، بل إن التفاعلات التي تحدثها أي قضية جدلية تدل على أن المتحكمين في سير الجموع (يمينا أو يساريا) لا يتجاوز عددهم أصابع اليد. فلو حاول أحدنا إحصاء جملة مثل "الأجندات الخارجية" التي تحولت على أيدي أدوات الصراع المحلي ممن يطلق عليهم "الإسلاميين والليبراليين" إلى مصطلح ممل. لوجدناها في كل مقال أو نقاش وحتى في تعليقات المواقع الإلكترونية، وكأنها البعبع الذي يهدد به كل طرف الآخر، فمن يطلق عليهم "الإسلاميين" يرفعونه في وجوه مناوئيهم، مربوطا بأمريكا والغرب، وقد يتطور مستقبلا ليشمل الصين واليابان فمن يدري!. ومن يطلق عليهم "الليبراليين" يلوحون بذات المصطلح في وجوه من يهاجمهم ولكن بنكهة "أجندات القاعدة وفكر طالبان" وفي أقل الأحوال يمكن رفع لافتة "الإخوان المسلمين" والتنظيمات السرية.

وبالتالي رسخ هذا (المصطلح/ التهمة) في أذهان العامة، فصاروا يرددونه دون وعي.

الاتهام بتنفيذ" أجندات خارجية" هو أحد وجوه التفكير بالنيابة، الذي أصبح لازمة ثقافية اجتماعية تهدد كل مشروع للتغيير، حيث يغفل العازفون على هذه النغمة المزعجة، حقيقة أن لكل فرد في المجتمع بناءه الفكري، الذي قد يكون تركيبا فسيولوجيا يبدأ تشكله مع الفرد منذ طفولته، يظهر على شكل ميول وهوايات، مثل هواية القراءة في فن أو اتجاه فكري ما، يشعر الشخص أنه يتسق مع شخصيته ويلبي احتياجاته ورغباته الذاتية، وهذا معروف في علم النفس. كذلك يغفلون تأثره بمحيطه القريب سواء في المنزل أو المدرسة، فقد يشكل معلم ما، الاتجاه العام لشخصية الطالب، ويوجهه لقراءات أو أفكار ما. وبالتالي ينطلق تفكير الشخص في هذا الاتجاه ويتطور لاحقا بناء على ما يتراكم لديه من مخزون معرفي، يظهر ذلك في آرائه تجاه القضايا الفكرية أو الاجتماعية، التي تنطلق من ذاته، لا من "أجندات" داخلية أو خارجية. هذه الآراء التي قد يفسرها المخالفون له في الرأي ـ يمينا أو يسارا ـ على أنها تنفيذ لـ"أجندات خارجية"، حتى يصل الأمر إلى التشكيك في الوطنية، من مثبطات تطوير واقعنا الثقافي والاجتماعي. فنتيجة لهذا التشكيك الذي لا يرضاه أحد، بلع الكثيرون ممن لديهم طروحات وأفكار يمكن أن تسهم في الخروج من دوائر الصراع العبثي، ألسنتهم، وفضلوا الصمت على الكلام مع هؤلاء، ما دام الأمر سيصل بهم إلى دائرة التخوين الوطني.