يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "إننا نقطع الوقت من الصباح إلى المساء، في مشاغل نخترعها لننسى بها أنفسنا، ونبدد بها أعمارنا، من أحاديث تافهة، ومجالس فارغة، ومطالعات في كتب لا تنفع، أو نظرات في مجلات لا تفيد، فإن خلا أحدنا بنفسه، ثقلت عليه صحبة نفسه، وحاول الهرب منها، كأن نفسه عدو له لا يطيق مجالسته، فهو يضيق بها، ويفتش عما يشغله عنها".
ومن منا ليس ذلك الشخص إلا من رحم ربي، لقد تركنا أهم ما نملك، تركناها فريسة للوحدة والخراب. فوالله لو كانت لنا بصيرة نطلع بها على حقيقة أرواحنا لوجدناها كئيبة حزينة، وكيف لا يكون ذلك حالها وقد أهملناها سنين وأياما متطاولة ؟!
يخيل إلي أنها شخص حبس العمر كله في زنزانة مظلمة لا ونيس له فيها، ولا بصر يمده بالأمل، هل سألنا أنفسنا يوماً أو بالأحرى هل سألتنا أنفسنا يوماً سؤالا وأجبناها بصدق؟! هل صبرنا يوماً علي أنفسنا ؟! أم أن دأبنا هو الهروب من السؤال وإنهاء الحوار عند أول نقطة فيه ؟! لقد أصبحنا نسير حياتنا علي نمط من الرتابة، شعارنا فيه أننا نعيش فقط لنعيش، دون هدف، دون غاية، دون هوية وكأننا خالدون خلود الموتى، ذواتنا بحاجة لنا خصوصاً في هذا الزمن الذي صار شعاره السرعة والتسارع ، فصرنا أعظم خلق الله نسيانا لذواتنا. لقد كان للناس في السابق متسع من الوقت ليقضوه في محادثة أنفسهم، وكشف أغوارها، والبحث عن مكنوناتها، ولعل العرب قديماً كانوا من أكثر الشعوب حظاً ونصيبا في مساحة الوقت المملوك لأحاديث الذات ونقاشاتها. إن إقرارنا بتسارع زماننا ليس معناه أن نسلم بالأمر الواقع ونتخلي عن ذواتنا، فهناك في هذا الزمان من استطاع أن يجعل بينه وبين ذاته علاقة متميزة، تصارحه ويصارحها، ويطمئن إليها وتطمئن إليه.
إننا لن نستطيع العيش بهدوء ما لم نتصالح مع ذواتنا، إن أول خطوة في طريق السعادة هي أن تعرف من أنت؟!