لم أكن الوحيد الذي لفتت انتباهه دموع السيدة فديريكا موجيريني الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي في أثناء مؤتمر صحفي كانت تجريه في عمان، في أثناء حديثها عن الهجمات الإرهابية التي ضربت عاصمة الاتحاد الأوروبي، فلم تتمالك نفسها، وانخرطت في بكاء، لم يمنعها عنه كونها في لقاء رسمي مع وزير الخارجية الأردني.

من الجميل أن نجد ساسة من طراز دولي يمتلكون هذا الحس الإنساني الرفيع، ويذرفون الدموع على الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أن حفنة من المرضى المصابين بسعار الدم قرروا إنهاء حياتهم في مشاهد مروعة أصبحت تجتاح مدن العالم، فلا ينبغي أبدا أن تتراجع أسهمنا من الإنسانية لصالح السياسة التي أصبحت معادلا موضوعيا للحروب والمؤامرات في عالم يفرط في حظوظه من الإنسانية على نحو مقلق للغاية يجعل أياً منّا غير آمن على نفسه في هذا العالم.

وما من شك في أننا نشاطر السيدة موجيريني أحزانها على ضحايا هجمات بروكسل الأبرياء، ومن قبلهم ضحايا هجمات باريس الأبرياء، حتى إن بلادنا أصبحت تتلون بلون أعلام فرنسا وبلجيكا، وكل عاصمة أوروبية تضربها هذه الهجمات الجبانة، تضامنا مع أحزان الشعوب الأوروبية، ومع أحزان الأبرياء في كل مكان، لكن، يبقى السؤال: وأين نصيبنا من هذه الدموع يا سيدة موجيريني؟ أين نصيب أطفال سورية من دموع أوروبا، ومن قبلهم أطفال العراق؟ ومن قبلهم ومن بعدهم أطفال فلسطين؟ لنا الله إذن يا سيدة موجيريني إن كان سقوط 34 قتيلا استدعى منك هذا الانهيار والانخراط في البكاء، في وقت لم يذرف الغرب فيه دمعة واحدة من أجل ملايين الضحايا في أوطاننا معظمهم من الأطفال والنساء، وكلهم أبرياء، بين قتيل، وجريح، ومشرد، ولاجئ، حتى أصبحنا وجبة أساسية لأسماك البحر المتوسط التي تشهد من نحو خمس سنوات واحدا من أسخى عصورها وأكثرها اكتنازا بالوجبات الآدمية العربية.

حتى دموعكم عنصرية يا سيدة موجيريني، تنتقي من الضحايا من يستحقون البكاء من أجلهم، كأن الغربيين بشر خلقوا للحياة يستحقون أن تذرفوا الدموع من أجلهم، أما نحن فشعوب خلقت للموت، فلا داعي للبكاء عليها.

نعلم أن أوروبا اليوم تشهد موجة تعاطف مع ضحايا جرائم النظام السوري، لكن ألم يتأخر هذا التعاطف كثيرا؟ وأطفال العراق لماذا لم يتعاطف أحد معهم؟ وأطفال فلسطين الذين يقتلون كل يوم على أيدي عصابات دولة الاحتلال الإسرائيلي في واحدة من أشرس جرائم الحرب المنظمة عبر التاريخ. لماذا تأخر هذا التعاطف عن العراقيين قبل أن تخلف الحرب الأميركية وتداعياتها عليهم نحو مليون قتيل وفق تقديرات كثيرة، أكثر من 50 ? منهم أطفال، في وطن افتقد أي مقومات للأمان تتبادل السيطرة عليه دولة ضعيفة وميليشيات تجردت من آدميتها تقتل على الهوية؟

أما كان من الأولى إدانة الاحتلال الأميركي الذي هدم العراق وتركه نهبا للعصابات المسلحة التي تتجول في أرضه، سواء عصابات إيران التي ذبحت من أطفال العراق ما الله به عليم، وخلقت عشرات الآلاف من جرائم الحرب، أو عصابات داعش، وقبلها كثير من الجماعات المسلحة التي شنت حرب إبادة على الشعب العراقي بجميع طوائفه؟

أما كان من الأولى الوقوف في وجه النظام السوري منذ بدأ نحر أطفال سورية من الوريد إلى الوريد؟ لماذا انتظرتم ثلاث سنوات أو يزيد؟ ماذا كنتم تتوقعون من نظام كشف عن وجه سفاح متعطش للدماء؟ مئات الآلاف ماتوا تحت القصف، ومنهم من ذبح بأيدي عصابات ما يسمى بالحرس الثوري الإيراني والعصابة التي تسمي نفسها زورا وبهتانا حزب الله. الملايين شردوا وساوى طيران النظام السوري مدنهم بالأرض حتى أصبحت مدن أشباح، والغرب يدين ويشجب ويرتشف القهوة مع سفاحي دمشق في أروقة مباحثات تافهة تعلمون جميعا أنها لن تغير من الواقع المرير لأبناء سورية شيئا، حتى أصبحت بمثابة مهلة منحها الغرب للنظام السوري حتى يصفي مزيدا من السوريين العزل، ويهجرهم من مدنهم، تمهيدا لخريطته العرقية الجديدة التي يسعى إلى إقرارها لإعادة توزيع السكان وفق ديموجرافية جديدة تخدم مصالح إيران التوسعية، بمباركة من الغرب الذين تأخرت دموعهم علينا. تأخرت كثيرا يا سيدة موجيريني.

لا يمكن للغرب أن يتنصل من مسؤوليته تجاه قضايانا، لأنهم هم من احتلوا العراق، وتسببوا في نشر الفوضى في ربوعه، مما تسبب في إزهاق مئات الآلاف من الأرواح، وهم من غلوا أيدي دول المنطقة حتى لا تتدخل في الشأن السوري مبكرا، ومن يدري لعلنا كنا أوقفنا سفاح دمشق هذا عند حده مبكرا، وأنقذنا مدن سورية من الهدم والحرائق، وحافظنا لملايين السوريين على مدنهم، وأنقذناهم من هذا المصير الصعب الذي يواجهونه الآن.

كم نحن شعوب طيبة يا سيدة موجيريني نشاطركم جميع أحزانكم، ونهتف معكم في وجوه القتلة، من دون أن تذرفوا دمعة واحدة على أي من النوازل التي حلت ببلادنا، النوازل التي كان الغرب أبرز صناعها.