حين يكون المؤمن إنسانا بحق؛ فإنه الأقدر على العفو والتسامح ورد الإساءة بالحُسنى والتعامل بالحكمة لمن يسيء إليه؛ ويزداد العفو عبرة وارتقاء حين يملك هذا المؤمن السلطة على تكميم أفواه الأقزام أمامه؛ ثم يعدل عنها كرما ورقيا إمعانا في العفو والتسامح ويستمر في العمل المخلص؛ هذا هو ما فعله الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة حين دعا بالمغفرة لمن أساؤوا له بعد قراره الحكيم في سعودة حلقات تحفيظ القرآن الكريم في منطقة مكة المكرمة؛ وحسبه أن الله تعالى سوف يكفيه شرّ هؤلاء المرضى بالتطرف الحركي والنفاق الديني ممن يسكنون مواقع الإنترنت الأصولية الحركية، والمنتديات المحملة بسفهاء التكفير ممن لا يدركون ببصرهم أبعد من قشرة البيضة! فكيف إذ يملكون بصيرة يفتون بها الناس في أمور معاشهم وهم أبعد الناس عن معاشهم؟!

ولكن السؤال المهم هنا هو ما الذي فضحه لنا هذا القرار الحكيم؟! لقد فضح لنا أن هذه الحلقات التي تمتلئ بالآلاف بين أحيائنا ومدننا تخلو ممن تخرجهم الجامعات السعودية بأقسامها الشرعية سنويا بعشرات الآلاف! فضح أن أرقام البطالة المرتفعة من خريجي وخريجات الشريعة الإسلامية بعيدون كل البعد عن هذه الحلقات التي استسهل مسؤولوها تخصيص أجور ضئيلة يرضى بها وافدون لا نعرف من أي مذهب أو تفكير أو عقيدة جاؤوا منها وسلمنا لهم وعي صغارنا ليشحنوه بهذا المجهول! ماذا أيضا؟ لقد فضح لنا هذا القرار أن آلاف الحلقات التي نرسل إليها أبناءنا لحفظ القرآن الكريم تخلو منهم "هُم" هؤلاء المضمرين في الشبكة العنكبوتية ممن يحيكون فيها بيوتا للتدين لهم أوهن مما يروجونه للناس من دين؛ إنها تخلو منهم "هم" فيما يصدرون أنفسهم دعاة ومحتسبين يمشون مع تلاميذهم بين الناس كي يأمروهم بالصلاة ولا يأمرون تلاميذهم بتحفيظ الصغار للقرآن مقابل 500 ريال فقط احتسابا؛ ولا أعلم ألا يمكن أن يعتبروا هذا العمل من الحسبة التي امتهنوها في الأسواق ومعرض الكتاب؟! أليس أجدى بهم أن يضعوا لأنفسهم مكانا في هذه الحلقات ويحتسبون الأجر عند ربهم؟! أم أن (500 ريال) زهيدة جدا، وليست من ضمن غاياتهم!؟ أم أن الجلوس بين الصغار لا يهبهم قيمة "التعملق" الذي يحيطون به أنفسهم حين يمشون بين الكبار ويمارسون الوصاية على أخلاق النساء في الأسواق؟! نعم هذا القرار فضحهم؛ وكبر صورتهم مليون مرة أمام أعيننا؛ فضح غاياتهم في التجارة بعواطف الناس حين تضاربت مصالحهم الشخصية مع هذا القرار! فضح أهدافهم التي لا يبلغون منها سوى بلوغ الذات في تفخيم مزيف لها كي "تتعملق" بين ضعفاء وعي اتبعوا غيّهم؛ فضح غيرة قلوبهم على المال أكثر من الدين والوطن والمواطن ومستقبل وعي أبنائنا! فضح مرضهم في البحث عن ثقب.. أي ثقب كي ينفذوا منه لقلوب الناس؛ كي يؤلبوا وعيهم ضد الأمناء المخلصين الغيورين القائمين على الوطن والدين والمواطن؟! نعم فضح فكرهم الملوث بالشك، والموبوء بالتعصب والتحريض الفج لتزداد ملامحهم وضوحا تحت مجهر المجتمع ويدرك خطورة هؤلاء على الدين والوطن.