يظهر قادة إيران المدنيون، الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف، اهتماما بالحوار مع دول الجوار، معبرين عن ذلك في مناسبات مختلفة، ولكن قادة إيران الدينيين والعسكريين يردون في كل مرة على مثل هذه المبادرات، مؤكدين استمرار إيران في تصدير ثورتها إلى دول المنطقة، وإثارة الفرقة الطائفية فيها باسم حماية الأقليات الشيعية.

فبعد التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو الماضي، عبر الرئيس روحاني ووزير خارجيته عن الرغبة في فتح صفحة جديدة مع دول الجوار، دون الحديث عن مرتكزات هذا الحوار أو محاوره. في المقابل، كان مجلس التعاون الخليجي واضحا في تحديد المبادئ التي يجب أن يقوم عليها الحوار، وهي الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي القائمين على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفي إصراره على توقف إيران عن زعزعة الاستقرار في المنطقة للتمهيد لمثل هذا الحوار. ففي القمة الأخيرة التي عقدت في الرياض في 9 - 10 ديسمبر 2015، وبعد أن أعرب المجلس الأعلى عن رفضه التام لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، ومحاولاتها المتكررة لبث الفرقة وإثارة الفتنة الطائفية بين مواطنيها في انتهاك لسيادتها واستقلالها، طالب المجلس إيران بالالتزام التامّ بالأسس المبنية على مبدأ حسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، والالتزام بالقوانين والمواثيق والأعراف الدولية. ويظهر هذا استعداد مجلس التعاون لبناء علاقات طبيعية مع إيران متى ما توقفت عن تدخلاتها في المنطقة وبث الفرقة الطائفية.

أما المتشددون في إيران، ويبدو أنهم من يقرّر سياسة إيران الفعلية في المنطقة، فلا يُخفون رفضهم مبادرات الحوار والتقارب. ففي يوم الثلاثاء الماضي (5 أبريل) ظهر قائد الحرس محمد علي جعفري مهددا ومتوعدا، في خطاب له أمام قادة الحرس الثوري نقلته وسائل الإعلام الإيرانية، في أول اجتماع يعقد لقادة الحرس في السنة الإيرانية الجديدة.

وربما كان من الممكن إهمال تهديدات جعفري للولايات المتحدة، باعتبارها موجهة للاستهلاك الداخلي، حين قال إن خطط إيران العسكرية تشكلت على أساس توقع حرب شاملة مع الولايات المتحدة تخرج منها إيران بالنصر الساحق، حسب زعمه، ساخرا من الوسائل الدبلوماسية والسياسية، مؤكدا أولوية "الخيار العسكري".

ولكن تهديدات جعفري لدول الجوار يجب أن تؤخذ مأخذ الجد، فقد أظهر في كلمته الأسبوع الماضي أن الحرس الثوري قد استكمل "الاستعدادات" ضد دول الجوار، مشيرا، على وجه الخصوص، إلى المملكة العربية السعودية والبحرين واليمن، قائلا إن الحرس "ينتظر الأوامر للتحرك المناسب" ضد تلك الدول.

وفيما يخص اليمن قال جعفري إن تدخلات إيران تهدف إلى أن "يكون سيف أنصار الله (الحوثيين) أكثر حدة"، مشيرا، على وجه التأكيد، إلى سعي إيران لإرسال خبراء عسكريين وأسلحة إلى اليمن، في انتهاك صريح لقرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي وضع حظرا على إرسال الأسلحة إلى اليمن ونظاما للتفتيش للتأكد من عدم وصولها إلى أراضيه.

وتنفيذا للحظر الدولي على تهريب الأسلحة إلى اليمن، تمكنت القوات الأميركية والأسترالية والفرنسية (وغيرها) خلال الأسابيع القليلة الماضية من اعتراض شحنات كبيرة من الأسلحة الإيرانية في طريقها إلى الحوثيين. ففي 28 مارس اعترضت السفينة الحربية الأميركية (شيروكو) والمدمرة (جرافلي) قاربا يحمل (1500) رشاش (كلاشنكوف)، و(200) منصة محمولة لإطلاق قذائف (آر بي جي)، و21 مدفعا رشاشا. وفي 20 مارس أوقفت المدمرة الفرنسية (بروفانس) شحنة مشابهة، اشتملت على (2000) رشاش كلاشنكوف، و(64) بندقية قناص من نوع (دارجونوف)، وقذائف مضادة للدبابات. وفي 27 فبراير اعترضت السفينة الحربية الأسترالية (داروين) شحنة مشابهة... وهكذا.

ويبدو الحرس الثوري الإيراني، من خلال تلك العمليات، يسعى جاهدا إلى إفشال الحل السياسي في اليمن، فضاعف جهوده لإرسال الأسلحة إلى الحوثيين بعد إعلان الأمم المتحدة قبول اليمنيين لوساطتها واستعداد جميع الأطراف لحضور المحادثات المقرر عقدها في الكويت في 18 أبريل، فوسيلة إيران للتأثير في مجريات الأمور في اليمن تتم عن طريق تسليح أكثر العناصر تطرفا، وحثها على الاستمرار في الحرب.

فيما يتعلق بالاتفاق النووي الذي يعتبره الرئيس أوباما أهم إنجاز لرئاسته، لم يخف قائد الحرس الثوري الإيراني ازدراءه لحكومة روحاني التي أبرمته، فقال في الاجتماع نفسه، إن الاتفاق "ليس مدعاة للفخر، وليس في مصلحة بلادنا، وتم إبرامه خلافا لرغبة الشعب الإيراني." متهما مؤيدي هذا الاتفاق بـ"إذلال الشعب الإيراني".

وفيما يتعلق ببرنامج إيران الصاروخي، أكد جعفري استمرار إيران في تطوير الصواريخ الباليستية وإنتاجها على نطاق واسع، وتزويدها بأجهزة أكثر دقة، وحمولة أكثر تدميرا. وهو بذلك يرد على الاحتجاجات الدولية ضد الاختبارات التي قامت بها إيران في خرق واضح لقرارات مجلس الأمن، وكان آخرها الاختبار الذي أجرته في مارس لتفجير عدة صواريخ باليستية في الوقت نفسه.

ولو استعرضنا سياسات إيران في بقية مناطق الصراع في المنطقة لوجدنا النمط نفسه من التصعيد على أرض الواقع بدلا من التهدئة، في حين يظهر التناقض في السياسات المعلنة بين دعاة الحرب ودعاة الحوار.

هذا التناقض في السياسات الإيرانية المعلنة، بين الرئيس والحرس الثوري، يفسر الشكوك التي تبديها دول مجلس التعاون حيال صدقية دعوات الحوار الإيرانية، ومطالبتها إيران باتخاذ إجراءات حقيقية ملموسة لبناء الثقة أولا.