قبل أن تبدأ الهجمة التي أصبحت "موضة" الكتابة الآن في صحافتنا ووسائل إعلامنا، ولا سيما الإعلام الجديد، على معالي وزير المياه والكهرباء، كنت قد كتبت قبل أشهر تحت عنوان (ما ذنب هؤلاء يا معالي المهندس الحصين؟)، منتقدا سياسة الوزارة في تحصيل الرسوم، والجور الذي لحق بشريحة من المواطنين "تكفلوا بحفر الآبار داخل منازلهم لاستخراج الماء منها من أموالهم الخاصة لاستخدامها في ري حدائقهم أو غسل أحواشهم وسياراتهم، ثم في الأخير يغرمون من قبل مراقبي الوزارة"، وتساءلت: على أي أساس يغرمون يا معالي الوزير إذا كانوا لم يقربوا المياه التي تدعمها الدولة ولم يهدروها؟.

أقول هذا فقط لأذكر من لم يطلع على المقال، بأنني لست ضد أن ننتقد أداء مسؤول ما من المسؤولين، ولست ضد أن نختلف معهم، فهم في الأخير بشر يصيبون ويخطئون، لكن أن يتحول النقد إلى حملات من الهجوم المكثف على هذا المسؤول أو ذاك، وكأننا في ساحة حرب يسعى كل منا إلى استخدام جميع أسلحته فيها لإصابة الهدف/ المسؤول، إلى حد التجريح والتدخل في أمورهم الشخصية، حسب مطالعاتي لبعض التعليقات، فهذا ما لا يرضاه عقل ولا يخضع لأي قيمة من القيم التي تربينا عليها.

من المؤكد أنني الآن لست معنيا بتبرئة هذا الوزير أو ذاك، لكنني أتصور أنه إن كانت على أي من أصحاب المعالي مآخذ في أداء وزارتيهما، أو رؤيتهما، ففي المقابل هناك أيضا مآخذ قوية على كثير ممن تعرضوا لهما بالنقد الجارح المتجاوز أحيانا، فضلاً عن الأداء الإعلامي الذي أصبح أقرب ما يكون إلى حملة، لا أقول إنها ممنهجة أو مدبرة، لكن يبدو أن الهجوم الجماعي على المسؤولين، واندفاع الجميع نحو تعديد المثالب والأخطاء، حتى أصبحنا بين حين والذي يليه نشهد سقوط أحد المسؤولين في شباك هذه الهجمات الغريبة على طبيعتنا وقيم مجتمعنا الكريم.

إنني، وهذا رأي شخصي، أجد أن في هذا الهجوم الجماعي الذي يتجرد في بعض الحالات، من أدب الاختلاف، مراوحاً بين السخرية من المسؤول في أدنى حالاته والتطاول عليه، في ذروة موجات هجوم جديدة على طبيعتنا ولا أراها تخدم هويتنا الأخلاقية، فنحن مجتمع محافظ، وهذه بالمناسبة ميزة، وليست مسبة كما يسعى بعضهم إلى النيل من هذا الوصف ويسعى إلى التمرد عليه، ولا أعني بكلمة محافظ هنا التشدد الديني، حتى لا يتحسس بعضهم من الكلمة، ولكن أعني التعقل والاتزان والترفق في الطرح، والحفاظ على عدم تجاوز سقف محدد في الخطاب يحفظ لمن ننتقدهم مكانتهم وكرامتهم الإنسانية، ويحفظ لنا في المقابل قيمنا التي لا ينبغي أن نفرط فيها، وفي مقدمتها قيمة أدب الاختلاف.

وأقول لمنتقدي معالي وزير المياه، ومن قبله معالي وزير الإسكان، شتان من ينتقد حرصا على المصلحة العامة، ومن ينتقد لأسباب كثيرة ليست من ضمنها المصلحة العامة على الإطلاق، كأن يكون النقد لتصفية حسابات مثلا، أو لتفريغ كبت، أو تحت تأثير حالة من الرؤية السوداوية التي تهيمن على بعضهم، أو للاستقواء والشعور بالقدرة على التأثير، وربما القدرة على التغيير إن تسبب في إقالة مسؤول من جراء الكتابة عنه. لا أقول عن الجميع من هذه الفئة، فما أكثر الكتاب المحترمين الملتزمين الذين نستشعر حرصهم على المصلحة العامة، الحرص الذي نلمسه في أدب خطابهم ورقي لغتهم.

وأقول لهؤلاء الأخيرين الذين يحرصون على المصلحة العامة، وهم بالمناسبة قادة الرأي، ومن بعدهم يحدث هذا الهرج الذي نشهده في الصحف وعلى مواقع التواصل والإعلام الجديد: أذكركم يا إخوتي/ أخواتي الأعزاء، بأنه ليس من المصلحة العامة أن ندفع في خط هذا النوع من الهجوم الشامل على المسؤولين، لأن هذه الهجمات المبالغ فيها تربك المسؤول، وتربك العمل داخل الوزارة، لأن الجميع يتفرغون لأمرين: أولهما: الرد على الاتهامات وصد الهجمات التي نلاحظ كم أصبحت عالية الضراوة والشراسة في الآونة الأخيرة، ليس في الصحف وحسب، بل أمام ولاة الأمر لتوضيح موقف الوزارة أو لكشف أي سوء فهم قد يكون وقع فيه منتقدو الوزارات، أو غيرها من الإجراءات التي ما من شك أن التفرغ لها يكون على حساب الدفع بمشروعات الوزارة إلى الأمام وتضييع أوقات منسوبيها في مهام أخرى غير المهام التي يفترض أن يركزوا عليها لتنفيذ إستراتيجيات التنمية، والأمر الآخر هو حالة الارتباك العام التي تسود أروقة عمل الوزارات والمسؤولين حين يعلمون أنهم يعملون تحت المجهر، وأن كل تحرك قد يتحركونه محسوب عليهم، ولا يخفى على حصافة أي من حضراتكم أن هذا ليس في مصلحة العمل، وأنه هذا أيضا قد يغل يد هذه الوزارة أو تلك، تحريا للسلامة من سهام المنتقدين.

لا نطالب أحدا على الإطلاق بألا ينتقد أداء هذه الوزارة أو تلك، أو هذا الوزير أو ذاك، كل ما نتطلع إليه ونتوسمه في إخوتنا من باب حق النصيحة بين الإخوة، أن نكون أكثر تريثا وأخف وطأة في تعاطينا مع الشأن العام، لضمان المصلحة العامة التي يفترض أنها هدفنا جميعا.