وصل الإسراف والعبث بالنعمة من بعض مَن أنعم الله عليهم من بني جلدتنا إلى درجة لا تحتمل ولا يجب السكوت عنها، ويجب التشهير بمن يفعل وإنزال العقوبة النظامية عليه. أثرياء وبسطاء، ولكنهم جميعا يجهلون قيمة النعمة وحكم الإسلام فيها، فقد ورد قول الله تعالى "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"، وقال تعالى "وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"، وقال تعالى "وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"، وقال تعالى"وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا".

قلة من المسرفين المعتدين على قيم المجتمع، والجهل بقيمة النعمة التي أنعم بها الله عليهم، يبذرون ويباهون ويكابرون "ولن يدخل الجنة مَن كان في قلبه ذرة من كبر" تعدوا كل الحدود باسم الكرم، وظلموا الدين والمجتمع والدولة، لأن ممارساتهم وتصرفاتهم محسوبة وترصد ضد مجتمعنا ودولتنا وسمعتها أمام أنظار العالم.

لقد تضررت سمعة دولتنا ومجتمعنا نتيجة ممارسات كثير من المسرفين والمبذرين من أبناء مجتمعنا الذين تعدوا حدود الكرم والضيافة التي نص عليها الدين، والتي ترفض الإسراف والمبالغة في العبث بالمال والغذاء وفي أرواح الدواب التي تذبح ولا تؤكل، ولكن لينفق أولئك المسرفون على أنفسهم، لأن هذه النعم حتى وإن كانت خاصة، ولكنها جزء من الملكية العامة التي تدخل في حسابات الدولة ومواردها من المال والمدخرات بمختلف أنواعها. مسرفون "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ"، يبذرون ويعبثون ولا قوانين تردعهم ولا أنظمة تعاقبهم أو تنظم تصرفاتهم، وهذه النعمة قد تتحول إلى نقمة. نعم يسخط من ممارسات القلة القلية الكثرة الكثيرة محليا وعربيا ودوليا.

وليس من نواميسنا ولا طباعنا ولا عادتنا ولا ديننا الإسراف ولا التبذير. هذا السلوك الخارج والصارخ يؤلم كل من يقدر ويعي ويستوعب هذه النعمة ويعرف قيمتها. وقد استمرأ هؤلاء السفهاء أعمالهم لغياب الرادع لهم، وهم يعلمون أن هناك أناسا معدمين ومحتاجين إلى تلك النعمة التي يبذرونها. لقد أسهم التجار في تعزيز ظاهرة الاستهلاك والتوسع فيه بشكل يتنافى مع قيم المجتمع وثوابته ومرجعياته، ولو نظرنا إلى القرآن الكريم وهو يطلب منا أن نكون أمة مقتصدة، فقال تعالى "مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ"، وهو بهذه الآية يصف غيرنا من الأمم، ولكنه من خلال الوصف يقدم لنا الرسالة. والاقتصاد هو عدم الإسراف والتبذير والعبث بالنعمة أيا كانت عامة أو خاصة.

لهذا فإننا نطلب ممن بيده الأمر الضرب على أيدي هؤلاء وقمع ممارساتهم التي تسببت في الإضرار بالمجتمع والدولة وسمعتها، وذلك من خلال سن أنظمة تمنع منعا باتا الذبح والكرم المبالغ فيه أيا كان نوعه مع تقنين لهذه الظاهرة السيئة. ونقترح أن تكون هناك عقوبات مشددة ومختلفة توضع على قدر الإسراف والتبذير. ومن لديه أموال زائدة فعليه أن يصرفها في موارد الخير، ومنها دعم الفقراء والمحتاجين والمعوزين في الداخل والخارج.

هناك من يتشدق بالكرم بينما كان أجداده في الماضي لا يجدون لقمة العيش، ولا يسرف من لديه النعمة مهما كان مقتدرا. واليوم تحول الإسراف إلى تخمة وسمنة وأمراض وعادات اجتماعية مبالغ فيها، ترهق كثيرا من أبناء المجتمع ممن لا يستطيع مجاراة هؤلاء المسرفين والمبذرين. والإسلام وضع لنا قوانين للأكل والشرب يجب أن تكون ضمن التعليم وبرامج التوعية وفي الخطب في المساجد. وليت أهل الحسبة يقومون بدورهم في محاربة هؤلاء المسرفين، حيث كانت الحسبة في الأسواق لمتابعة الأسعار وتتبع من يخالف الأنظمة ويتعمد الغلاء في السلع. ليت الخطباء في المساجد يركزون جهودهم على توعية الناس بأن العبث بالنعمة يعني الكفر بها وأن الجزاء النقمة. ليت مشايخ القبائل يلجمون المغالين والمتهورين الذين يعبثون بالنعم ويتسببون في السمعة السيئة والدعاء بالفقر والعوز على مجتمعاتنا. لماذا تسكتون على هؤلاء الذين يهدرون الأموال في المناسبات الخاصة والعامة بشكل لا يرضي الله تعالى. هناك مؤسسات أهلية لخدمة الفقراء تحتاج إلى المال وفيها الأجر العظيم، والأولى بمن لديه مال زائد أن يصرفه في تلك المجالات.

أيها الشرفاء الغيورون على نعمة الله وعلى الوطن والمجتمع وسمعته أنقذوا مجتمعنا من هؤلاء المسرفين. قاطعوهم ولا تجاملوهم، أنقدوهم ولا تسكتوا عليهم. وليس الإسراف فقط في المناسبات، ولكن أيضا في رمضان، وفي الصيام في الأيام العادية. ليس الهدف من الصيام التبذير والبذخ والإسراف، هذه عبادة تقابلها بمعصية. والهدف من الصوم هو عبادة، ثم أيضا هو لصحة الجسد وتعويده على أكل منظم، وليس الإسراف والتبذير، ثم رمي هذه النعم في الحاويات ومرمى النفايات. لا نريد من الدولة أن تغض عينها عن هذه الممارسات السيئة ولا تلتزم الحياد، وأن تقنن وتنظم سلوك الناس في هذه المسألة وغيرها من السلوكيات الاجتماعية التي تضر بالمجتمع والدولة وتعرض سمعتها للنقد والاستهجان من أناس يتربصون بمجتمعنا وبلادنا. ويجب أن يعلم المسرف أن السمعة الطيبة تخص، وأن السمعة السيئة تعم، ولهذا فنحن نطالب بالضرب بيد من حديد على من يشوه سمعة هذه البلاد بأي سلوك، وفي مقدمتها الإسراف والبذخ والعبث بنعمة الله. ولعل قصة الخليجي الذي طلب أكثر من حاجته في دولة أوروبية وتعرض للعقاب تكون مثلا يحتذى.