باتت مدننا الرئيسية تشتكي ويلات الاختناق والازدحام والتكدس السكاني؛ ومما زاد الأمر سوءا في مدينة الرياض تحديدا العمل المتواصل لإنهاء مشروع قطار الرياض، حتى أصبح الخروج من المنزل للعمل أو قضاء احتياجات أساسية فضلا عن أخرى ترفيهية مجازفة حتمية بالوقت والطاقة واختبارا نفسيا لقوة احتمالك وصبرك.

هذا التكدس المتزايد يقود إلى فكرة مهمة لو تم التنبه لها واستثمارها لتحقق من خلالها الكثير من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتتلخص هذه الفكرة في تحويل القرى والمحافظات المجاورة للمدن الرئيسية إلى مدن صغيرة بعد تكامل الخدمات الحياتية فيها والتي تضمن الرفاهية والاستقرار والهدوء لسكانها، وقد يكون من أصعب الخدمات التي يمكن توفيرها الخدمات التعليمية، غير أن قرار البدء في عمل الجامعات الناشئة في المحافظات جعل المؤسسات التعليمية تتكامل في المحافظات، خاصة أنها سابقا كانت المطلب الذي يتسبب في خروج كثير من سكانها للمدن مع أبنائهم لاستكمال تعليمهم، ويضاف إلى هذا مزية أخرى في تلك الجامعات وهي توافر التخصصات المطلوبة في سوق العمل بصورة متاحة، نظرا لقلة الطلبة من المناطق ذاتها، لكن اللافت مع كل هذا الاستمرار في حالة النزوح السكاني السلبي ليس فقط في السكان الأصليين من أهلها بل وأيضا من الذين قدموا للعمل في وزاراتها ومستشفياتها وجامعاتها مما زاد الأمر سوءا.

وبحثا عن السبب مع محاولة علاجه وإيجاد الحلول فإن زيارة واحدة مقارنة بين تلك المحافظات والمدن في كفاءات الخدمات تغني عن ألف سؤال، فالسلع الاستهلاكية تكاد تكون محدودة والأسواق الكبيرة والمطاعم الجيدة معدومة، لا سيما وهي الوسيلة شبه الوحيدة للترفيه في بلادنا، فكيف يمكن بعد ذلك استثمار تلك المساحات في تخفيف العبء عن المدن الرئيسية؟!

إن المتأمل في تكلفة السكن في المدن والمواصلات منها وهي مقر السكن إلى خارجها للعمل يدرك الثمن الباهظ الذي يدفعه المواطن والمقيم على حد سواء ويزري بميزانيتهما المحدودة، ومن شأن تحويل القرى إلى مدن صغيرة متكاملة الخدمات بكفاءات خدمية عالية تخفف هذا العبء عن المدن وسكانها.

وثمة عدد من الحلول يمكن أن تسهم في الحد من المشكلة، منها: تشجيع التجار ودعمهم على الاستثمار في المحافظات، إضافة إلى توفير الخدمات الحكومية فيها بذات كفاءة المدن، هو الأمر الذي سيسهم أيضا في خلق فرص جديدة للعمل، مع اشتراط سكن العاملين في قطاعاتها داخل المحافظات، إضافة إلى اشتراط عمل خريجي جامعاتها فيها ولو لفترة تسهم في تنشيط الدورة الحياتية داخل شريانها، أما وفصل الصيف على الأبواب فمن باب أولى تفعيل البرامج السياحية الترفيهية فيها، إلى جانب تنشيط الزيارات المنظمة للمواقع الأثرية في تلك الأماكن كل ذلك من شأنه أن ينشط الحركة فيها ويشجع على توطين الإقامة فيها وتخفيف الضغط على المدن الكبرى.