أكتب هذا الأسبوع من مدينة بروكسل، حيث عُقد الحوار السياسي بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، وهو حوار سنوي يعقد في بروكسل منذ 1998، خيم عليه هذا العام القلق المشترك لدى الجانبين حول الإرهاب.

فبروكسل ما زالت تعيش أجواء الأحداث الدامية في 22 مارس الماضي، حين وقعت 3 تفجيرات، اثنان منها في مطار بروكسل، والثالثة في محطة المترو (مالبيك) قرب مقرات الاتحاد الأوروبي، ووقع ضحيتها (32) قتيلاً وفوق (300) جريح، بالإضافة إلى ثلاثة انتحاريين قضوا في الهجمات، في حين وُجدت قنبلة أخرى في المطار لم تنفجر، ألقاها الإرهابي في سلة النفايات وفر هارباً. وقد افتخر تنظيم داعش بمسؤوليته عن التفجيرات، وأظهرت التحقيقات الأولية صلة الإرهابيين الذين ارتكبوا هذه الجرائم بالتنظيم.

أغلق المطار بعد الأحداث مباشرة، ولم يعد لممارسة عملياته حتى الآن إلا بشكل جزئي، ولذلك يضطر غالبية المسافرين إلى استخدام المطارات المجاورة في فرنسا وهولندا وألمانيا. وتنتشر قوات الأمن هنا في المرافق العامة مثل محطات القطارات والمؤسسات الحكومية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي.

كانت تفجيرات 22 مارس أكثر الأحداث الإرهابية دموية في تاريخ بلجيكا، ولذلك فإنها ألقت بظلالها على الحوار السياسي الخليجي-الأوروبي هذا العام، وعبّر الخليجيون عن تعاطفهم وتفهمهم للمعاناة التي يمر بها سكان بروكسل لأن منطقتنا تواجه هذه الأحداث يومياً تقريباً، من تنظيمات داعش والقاعدة وحزب الله وسائر التنظيمات الإرهابية. ففي يوم الخميس (14 أبريل) أطلقت النار على إحدى دوريات الأمن في تقاطع طريقي بلدة التوبي وبلدة الجارودية بمحافظة القطيف، وفي المحافظة نفسها تعرضت دورية أمن لإطلاق نار يوم الجمعة (15 أبريل) عند أحد الجوامع ببلدة القديح.

وفي مملكة البحرين تعرض رجال الأمن يوم السبت (16 أبريل) إلى هجوم بالمولوتوف في قرية كرباباد أدى إلى استشهاد شرطي وجرح اثنين آخرين.

هجمات الأيام الماضية في القطيف والبحرين اقترفتها، على الأرجح، جماعات تأتمر بأمر إيران. ومن قبلها ارتكب تنظيما داعش والقاعدة وكذلك حزب الله جرائم دموية تفوق في بشاعتها ما حدث في مطار بروكسل الشهر الماضي. ويكتوي المدنيون في دول الجوار، في العراق وسورية ولبنان واليمن وغيرها، بنيران هذه التنظيمات الإرهابية. ولهذا فإن التعاطف الذي عبر عنه الخليجيون في لقاء بروكسل حقيقي، وكذلك الرغبة في العمل المشترك مع الأوروبيين لمكافحة الإرهاب.

وعلى الرغم من أهمية الموضوع لدى المنظومتين إلا أن التعاون بينهما محدود في مكافحة تمويل الإرهاب، حيث تُعقد ورشة عمل فنية كل عام أو عامين يشارك فيها المختصون من البنوك المركزية والأجهزة الأمنية. ولكن لا يوجد تعاون يذكر في مجال مكافحة الإرهاب نفسه إلا من خلال الأطر الدولية، مثل الأمم المتحدة. وأحد الأسباب هي عدم وجود إستراتيجية أوروبية مشتركة تجاه الإرهاب، نظراً لاختلاف توجهات دول الاتحاد الأوروبي الـ(28) حوله.

ولكن هجمات باريس في شهر نوفمبر، ثم هجمات بروكسل الشهر الماضي، دفعتا الأوروبيين إلى العمل المشترك بينهم لمكافحة الإرهاب، نظراً لأن الإرهابيين كانوا يستغلون تسهيلات الاتحاد الأوروبي نفسها في السفر والإقامة للتنسيق بين الخلايا المختلفة، فعملت خلايا بروكسل وباريس بشكل منسق لتنفيذ عملياتها الإرهابية.

ولذلك قدم الأوروبيون في اجتماع الحوار السياسي هذا الأسبوع موقفاً متناسقاً حول الإرهاب، وهو تناسق يعكس ما اتفقت عليه القيادات الأوروبية خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة بعد هجمات باريس.

ولكن هذا الخطاب السياسي الذي أصبح متناغماً إلى حد كبير لا يعني أن خطتهم لمكافحة الإرهاب متكاملة، فما زالت الأجهزة المختلفة تعمل في معزل عن بعضها، وما زالت بعض الدول أيضاً تعمل بمعزل عن جاراتها. بل يُلاحظ أن السلطات داخل الدولة الواحدة أحياناً لا تقوم بالتنسيق فيما بينها، خاصة في الدول ذات النظام الفدرالي مثل ألمانيا وبلجيكا. وبالإضافة إلى ذلك ثمة قيود قانونية تتعلق بحماية الخصوصية، وأخرى بيروقراطية تتعلق بتداخل الصلاحيات المحلية والفدرالية، تحد من تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق الإجراءات العملية.

ولدى الأوروبيين خبرة واسعة في العمل العسكري والأمني لملاحقة العناصر الإرهابية، وهي خبرة اكتسبوها من مكافحة المنظمات الإرهابية التي كانت نشطة في أوروبا، وبعضها ما زال، مثل جماعة (الألوية الحمراء) في إيطاليا، و(بادر ماينهوف) في ألمانيا، والحركات الانفصالية في إسبانيا وإيرلندا الشمالية وفرنسا وغيرها، ولدى الأوروبيين كذلك خبرة في مكافحة حزب الله، حيث استهدف هذا الحزب أوروبا في السابق. وقد بدأوا في تطبيق تلك الخبرة العملية في مكافحة الخلايا الإرهابية التابعة للقاعدة وداعش.

ولكن ما ينقص الأوروبيين حتى الآن هو كيفية التعامل مع الخطاب الإرهابي الذي يشوه رسالة الإسلام ويحورها بما يخدم أغراضه، فالأوروبيون غير قادرين على التمييز بين مبادئ الإسلام الصحيحة والادعاءات الإرهابية ذات الطابع الديني الإسلامي.

ونقطة الضعف الأخرى هي التردد في الاعتراف والتعامل مع الجذور الأوروبية لإرهاب القاعدة وداعش. فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001، تشير دراسات متعددة إلى العلاقة بين نمو الإرهاب ومعاملة الأوروبيين لمواطنيهم المتحدرين من أصول إسلامية. ولكن هذه حقيقة يصعب على الأوروبيين حتى الآن قبولها.

وفي هاتين النقطتين الأخيرتين مجال خصب للتعاون الخليجي الأوروبي، والتعاون العربي الأوروبي.