لم يتردد الخبير الجيوسياسى، أولسون جونار، في معظم كتاباته وتحليلاته عن اتهام الولايات المتحدة بأنها تستخدم تنظيم داعش، لمهاجمة أعدائها في الشرق الأوسط من جهة، واتخاذه ذريعة للتدخل في المنطقة من جهة أخرى. وفي تقريره الأخير الذي أصدره أول من أمس، تحت عنوان "تنظيم القاعدة: أبطال الإمبراطورية"، عاد جونار ليؤكد أن الأسد حليف طبيعي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن أميركا بدأت توزيع الاتهامات على غيرها من الدول، بدعم تنظيم القاعدة، تحت ضغط وسائل الإعلام البديل، والرأي العام الأميركي، الذي يطالب بالكشف عن الحقائق في سورية، فضلا عن أحداث 11 سبتمبر.
وجوه متعددة
يشير جونار إلي تاريخ مهم قبل بدء أحداث ما يعرف بالربيع العربي، وهو يمثل التحالف غير المكتوب بين واشنطن ودمشق، لافتا إلى خبر نشرته صحيفة "تليجراف" البريطانية، تحت عنوان "غداء جون كيري وبشار الأسد في دمشق"، وحسب الخبر فقد زار كيري دمشق في فبراير 2009، عندما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وقال في مؤتمر صحفي عقب الزيارة "تعتبر إدارة الرئيس باراك أوباما سورية لاعبا رئيسيا في جهود واشنطن لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط". ولفت الخبر إلى أن كيري التقي الأسد ست مرات على الأقل، وتعمدت وسائل الإعلام في إحدى المرات تصوير الرجلين وزوجتيهما أثناء تناول الطعام في مطعم "نارنج" وسط دمشق، وكتب فوق الصورة "سورية لاعب أساسي في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة".
وحسب جونار فإنه رغم إدراج سورية على قائمة الدول الراعية للإرهاب، في ذلك الوقت، فإن السبب الحقيقي لم يكن دعم الأسد لتنظيم القاعدة، وإنما لتحالفه مع حزب الله في لبنان. وأضاف أنه من المفارقات، أن تقارير عديدة للقوات الخاصة التابعة للجيش الأميركي، أكدت وقتئذ أن العديد من شبكات وجماعات الإرهاب التي تعتبر الآن "متمردة" أو عناصر من المعارضة السورية، تورطت في تسهيل عبور عناصر القاعدة عبر الأراضي السورية إلى العراق، لقتل الجنود الأميركيين.
هستيريا صحفية
تحفل الصحف اليومية الأميركية بعناوين "سريالية" وعبثية، وتذكر بالهستيريا الإعلامية في واشنطن، التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001، حيث يتم حاليا استخدام مصطلحي "المتمردين" و"جبهة النصرة" أو تنظيم القاعدة في سورية، بشكل متبادل وكثيف في الصحف الأميركية والأوروبية، في محاولة لطمس حقيقة واضحة لكل ذي عينين، هي أن "المتمردين" هم حلفاء للولايات المتحدة وأوروبا، الذين ينتمي معظمهم لتنظيم القاعدة، الذي تدعي الولايات المتحدة أنها تحاربه على مدى 15 عاما مضت.
عبارة "عدو عدوي صديقي"، تعني غالبا أن الصداقة قد تنشأ من وجود عدو مشترك، حيث التحالف الاستراتيجي المؤقت أو الدائم ضد هدف واحد أو عدو مشترك. وفي حالة تنظيم القاعدة، فإنه ليس تحالفا سهلا أو بسيطا، لأن التنظيم نفسه، حسب جونار، امتداد لطموح الولايات المتحدة وأوروبا الجيوسياسي في الشرق الأوسط. فقد كان الهدف من إنشائه طرد القوات السوفيتية من أفغانستان في أولى الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط الكبير. وليس مصادفة أن التنظيم ما زال يخوض الحروب بالوكالة منذ ثمانينات القرن العشرين وحتى اليوم في سورية.
قوة الإعلام البديل
أضاف جونار أن وسائل الإعلام في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا تحتفل بهزائم نظام الأسد وحلفائه من ميليشيات حزب الله وإيران، فضلا عن الخسائر التي تكبدها تنظيم القاعدة، بينما لا يجد أي مراقب هذا الهراء اليومي مدعاة للاحتفال أو التصديق. فقد بدأت هذه اللعبة المزدوجة تتكشف اليوم بشكل صارخ، وهي أن الولايات المتحدة تتظاهر بمحاربة الإرهاب في حين أنها تدعمه لأنه يخدم أهدافها بشكل جيد في المنطقة".
ومع مواصلة انتشار وسائل الإعلام البديل وتوسيع مجالاتها حاليا، أصبحت هي القوة الوحيدة التي تتحدي هذه الروايات الكاذبة، بل أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي تضرب في العمق مصداقية الولايات المتحدة التي لا يبدو في الأفق القريب إمكانية لاستعادتها.
أيضا مع تزايد الضغوط المستمرة من قبل وسائل الإعلام البديل ضد السرد الغربي لما يجري علي الأرض السورية، وضغوط الرأي العام الأميركي في نفس الوقت، بدأت التساؤلات ترتفع للكشف عن سرية التحقيقات لهجمات سبتمبر، التي تكشف حقائق العلاقة التاريخية بين الأجهزة الاستخباراتية في الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة قبل 2001، كما بدأ توزيع الاتهامات أخيرا على دول أخرى بأنها تقف وراء تنظيم القاعدة ماليا وأيديولوجيا لدرء الشبهة عن أميركا.