قبل أن أعرج على مقالي الذي سبق أن كتبته في رأسي، منتظرة الفرصة فقط كي أحوله إلى كلمات مطبوعة، لم أستطع إلا أن أتوقف أمام افتتاحية الزميلة صحيفة السفير، وأنا أردد عبارتنا الشرقاوية نسبة إلى المنطقة الشرقية "فوق شينه قواية عينه"، أي فوق ما هو سيئ لديه الوقاحة كي يتكلم، كانت الافتتاحية بالتأكيد تحوي همزا وغمزا ولمزا إلى وطني، إذ لا بد أن تتشمم مثل هذه الروائح المقززة في معظم مقالات الصحيفة التي تنتهج دوما العنصرية الدينية والطائفية، ولا يمكنها الخلاص منها في مجمل ما تنشره، وكأن السعودية لم توجد على خارطة العالم إلا لتكون بئرا للقاصي والداني، فيمكنك أن تقرأ مفاهيمهم البائسة حتى في افتتاحية مقالاتهم في صحفهم.

دعونا نطلع إلى ما دوّنه طلال سلمان رئيس التحرير في مقدمة مقاله، إذ يقول: "والشكر للرئيس الفرنسي موصول لإقدامه على زيارة واحد من مخيمات النازحين السوريين في قلب سهل البقاع "حوش الحريمه" ليشهد بعينيه «عينة» من مأساة هؤلاء الأشقاء الذين يتعمد نسيانهم أهل النظام العربي، ويغفل عن الانتباه إليهم "مؤتمر التعاون الإسلامي". علما بأن النازحين جميعا من المسلمين الأحناف".

لم تمر مثل هذه الكلمات مرورا عابرا عليّ وأنا أقرأها، ما يزال اللبنانيون يشتكون من نزوح الشعب السوري إليهم، رغم أن أهم حزب إرهابي في لبنان يشارك ويدعم الحرب في سورية.

إذًا، فعلى لبنان أن يتحمل كثيرا من أخطاء "حزب الله"، وعلى السيد حسن نصرالله أن يقنع ملالي وطواغيت إيران بفتح خزانتها، وإطعام هؤلاء النازحين الذين لا ذنب لهم، إلا بالفرار من قذائف بشار وأعوانه التي تقصفهم دون هوادة، لكن المهم أنه إذا أراد لبنان ألا يمد يده إلى المعونات التي تأتيه على الأخص من دول الخليج، فهناك بدائل يمكنه أن يقوم بها، كفرض الضرائب على المهاجرين من اللبنانيين، وفرض الرسوم على القادمين إلى لبنان، فنحن كدولة أولى من غيرنا بثرواتنا ونفطنا، كما أننا نملك كامل الحرية في اختيار الدول التي يتعين على المملكة مساعدتها، وفقا لضوابطها وتشريعاتها التي لا تسمح لأي كائن من كان المساس بها، وهذا أمر يفترض أن يكون مفروغا منه، ولا مجال للمجادلة فيه.

الغريب في الأمر، زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى لبنان، فقد زار دولة دون وجود رئيس منتخب بها حتى الآن، فهل استقبلته بصورة مشكلة للرئيس القادم؟ أم أن أحدا من الشعب قام بتمثيل دور الرئيس الجديد؟ فدولة لم تتمكن حتى الآن من انتخاب رئيس دولتها، أو ملء ذلك الفراغ الذي من الممكن أن يطول حتى عامين آخرين، يعني أن على هولاند التريث في الزيارة أو إرسال وفد صغير ينوب عنه، احتراما وتقديرا لدولة سعادته فقط لا غير! وأنا أحيي رئيس تحرير السفير حينما أردف في مقاله قائلا:

"ونفترض أن الرئيس الضيف قد توصل، بعد اللقاءات الحاشدة التي عقدها مع أركان الطبقة السياسية، علمانيين ورجال دين، إلى استنتاج محدد خلاصته: "إن أهل النظام في لبنان أعظم فسادا وإفسادا من نظرائهم في فرنسا، بل وفي أي مكان من هذا العالم! بل إننا نقدر أن الرئيس الاشتراكي "بالأصل" لم يستطع التمييز بين من يدعي أنه من أهل اليسار ومن يتباهى بأنه من أهل اليمين، إذ انتبه إلى أنهم يتشابهون مسلكا ومنطقا وقيافة إلى حد التطابق.. بل إنهم "شركاء" في المنافع، وبينها -بل أخطرها- الأزمة السياسية المفتوحة على المجهول، بعنوان الشغور في منصب رئيس الجمهورية في هذه "الدولة" التي تختلط في نظامها الفريد زعامات الطوائف بقيادات العصابات صاحبة امتياز استثمار الدولة، بمرافقها جميعا".

أظن بعد ما كتبه سلمان، فإنه لا شيء جديد يمكن أن نذكره عن السياسية اللبنانية، فأهل لبنان أيضا أدرى بشعابها.