وثق أهالي قرى محافظتي بيش وصبيا صورا وفيديوهات وتعليقات توضح حجم الضرر البالغ الذي طال قراهم وشوارعها ومنازلهم إثر فيضان سد بيش يوم 14 أبريل. شاهدت صورا لشباب متطوعين يوصلون المساعدات الغذائية لقرية عزلها الفيضان تماما، وأصبحت محاولة دخولهم أو خروجهم منها مغامرة قد يدفع ثمنها الشخص حياته. صور أخرى كانت لطيران الدفاع المدني تحاول إنقاذ العالقين والمحتجزين في السيول، هذه المناظر عادت بذاكرة سكان منطقة جازان إلى مناظر ما قبل إنشاء السد، هذا السد الذي كان الهدف الأساس من إنشائه في العام 1430 هو الحد من جريان السيول التي كانت تسبب كوارث طبيعية لمحافظتي بيش وصبيا وقراها، وهو ما تحقق فعلا في بداية تدشين السد حتى وصل مخزون السد إلى حد الفيضان، وذلك بسبب سوء إدارة وزارة المياه الكهرباء لمخزون السد العملاق الذي تحول إلى بحيرة خلال سنوات قليلة بمجموع 100 مليون متر مكعب، وبالتالي وبسبب هذا القصور عادت المشكلة إلى أساسها، وأصبح هذا السد الذي بني من الخرسانة الثقيلة بارتفاع 106 أمتار، وبطول يصل عند القمة إلى 340 مترا، وكلف ميزانية الدولة 203.837.507 ملايين ريال، لكنه أصبح كابوسا مرعبا يهدد سكان محافظتي بيش وصبيا بطوفان لا يبقي أمامه شيئا، وقد يسبب لا قدر الله كارثة تاريخية مرعبة ما لم تقم وزارة المياه والكهرباء بخفض منسوب مخزون المياه في السد إلى المستوى الآمن الذي يسمح بتماسك السد ويمنع فيضانه كما حدث قبل أيام وسبَّب كوارث طبيعية في القرى، كان من الممكن تفاديها لو أدير مخزون السد من المياه بطريقة احترافية.

في تقرير صحفي أعده الزملاء في "الوطن" أشار حمزة قناعي المدير الأسبق للمياه في منطقة جازان إلى أنه "يجب إعادة النظر في آلية تشغيل السد حتى لا تحصل الكارثة". وفي تقرير لصحيفة سبق عام 2013 أن أسباب تحول سد بيش من مشروع تنموي يرجى منه الخير للمنطقة إلى مشكلة كبرى تهدد سكان المحافظة، هو تقصير بعض الأجهزة الحكومية في اتخاذ القرار، وعدم التنسيق الجيد، وذكر التقرير أنه في الوقت الذي يحذر فيه الدفاع المدني من ارتفاع منسوب المياه، ووصوله إلى مرحلة الخطر، مطالبين بفتح بوابات السد لتخفيف الضغط، ينفي مسؤولو وزارة المياه والكهرباء بأنه لا يوجد أي تهديد، وأن مستوى المخزون من المياه في حدوده الآمنة، وأن لديهم تعليمات مشددة بأن بوابات السد لا تفتح ولا يخفض منسوب السد من المياه إلا بأمر الوزير شخصيا، رغم وصول مخزون المياه في السد إلى المفيض، ولم يعد بوسعه التخزين أكثر.

ما يحدث من عدم توافق في القرار حول سد بيش ما بين إدارة الدفاع المدني ووزارة المياه والكهرباء يذكرني بإهمال مديرية الصحة بجازان لتحذيرات الدفاع المدني بأن تجهيزات السلامة في مستشفى جازان غير مكتملة حتى حدث ثالث أسوأ حريق يضرب مستشفى حول العالم، ذهب ضحيته 25 شخصا من جنسيات مختلفة، لتثبت التحقيقات أن من أسباب الحريق غياب التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بالأمن والسلامة، وهذا ما نخشاه أن يتكرر بين إدارتي الدفاع المدني والمياه والكهرباء في جازان.

تحذيرات رجال الدفاع المدني المتكررة من خطر سد بيش على سكان المنطقة لا يجب التهاون بها بأي شكل من الأشكال، فالأمر يتعلق بأرواح عشرات آلاف الأنفس التي تسكن في مجال سد بيش، وفيضان السد الذي حدث في المرة الأخيرة، وما سبَّبه من مشاكل وهدم للجسور وعزل للقرى وجرف للمركبات وسحق للمزارع واستنفار رجال الدفاع المدني سبقه تحذير نهائي وأخير لقدوم كارثة تاريخية تنتظرها المنطقة، ويجب أن تنظر لها وزارة المياه والكهرباء من زاوية السلامة أولا قبل أن تنظر لها من زاوية الأمن المائي الذي قد يتحول في لحظة ما إلى طوفان يبتلع كل شيء.