نقص المياه في الوطن العربي لم يعد مثار جدل فهو حقيقة واقعة، وقد أدى هذا النقص لأن تعتمد عدد من البلدان العربية – وفي مقدمتها المملكة – على تحلية مياه البحر، ويوم الخميس الماضي أطلق المنتدى العربي للبيئة والتنمية تقريره السنوي في بيروت تحت عنوان (المياه: إدارة مستدامة لمورد متناقص)، وقد عمل على إعداد التقرير أكثر من مئة خبير وباحث، واطلعت على الملخص التنفيذي للتقرير الذي تضمن معلومات أقل ما يمكن أن توصف بأنها مرعبة، فالتقرير يرى أن الدول العربية دخلت مرحلة النكبة المائية، ولن يحل عام 2015 إلا وجميع البلدان العربية تقريبا تحت خط ندرة المياه الحادة أي أقل من 500 متر مكعب للفرد سنويا، وسينخفض الرقم إلى أقل من ذلك في خمسة عشر بلدا، وهذا كما يقول التقرير أقصى درجات الفقر المائي، كما أن تغير المناخ سيزيد الوضع سوءا، ومن نتائج ذلك انخفاض جريان نهر الفرات بنسبة 30%، ونهر الأردن بنسبة 80%، كما سيسفر ارتفاع درجات الحرارة درجتين مئويتين فقط عن خفض تدفق مياه النيل إلى النصف، ويتوقع التقرير أنه وفق توقعات الزيادة السنوية في قدرات مصانع التحلية ستتضاعف قدرات معامل التحلية العربية إلى الضعف في عام 2016 لكن المشكلة الرئيسة هنا أن البلدان العربية تعتمد على تكنلوجيا مستوردة كليا وبالغة التكاليف والتلويث.
التقرير طويل وفيه معلومات كما قلت مرعبة، وهو بلا شك يعني ويهم جميع البلدان العربية التي إن استمرت سياساتها المائية كما هي الآن فلن يحل عام 2025 إلا وهي لا تجد ما تشرب، والذي يهمني هنا بالدرجة الأولى أن تقرأ وزارة المياه والكهرباء هذا التقرير الخطير، فهي في اعتقادي معنية بقراءته والتعليق على ما ورد فيه وتوضيح استراتيجيتها المستقبلية لمواجهة هذا الشح القادم الذي يحذر منه التقرير وعام 2025 ليس بعيدا أما عام 2015 فهو على الأبواب، سيما أن بلادنا تعتمد على التحلية، وأنا أعرف أن لدى وزارة المياه مشاريع مليارية للسنوات القادمة للاستثمار في هذا القطاع لكننا لانعلم هل هو استثمار في استيراد التكنلوجيا التي يحذر منها التقرير أم استثمار في ابتكار تكنلوجيا أنظف وأقل تكلفة وأكثر استمرارية، كما أن وزير المياه أكد منذ فترة وجيزة أن تعرفة المياه لن تتغير عما هي عليه الآن وهذا يتناقض تماما مع خطة الوزارة نفسها في الترشيد، أما تقرير المياه الذي نتحدث عنه هنا فهو يقول بوضوح إن المياه المجانية مياه ضائعة فأسعار المياه المنخفضة بشكل غير طبيعي والدعم الكبير لخدمات المياه هما أساس مشكلة انعدام الكفاية حيث يفضي ذلك إلى الاستخدام المفرط، والتلويث المرتفع، والتدهور البيئي، ولإيضاح الصورة التي آمل أن يتفهمها الناس فإن 500 متر مكعب المتوقعة في 2015 تعني أقل من المعدل العالمي للفرد سنويا بإحدى عشرة مرة فالمعدل العالمي يقول إن حاجة الفرد السنوية لا تقل عن 6000 متر مكعب، ومن فضول القول أن ندرة المياه ليست عائقا أمام التنمية فقط بل أمام الحياة، وهذا ما أتطلع أن تنطلق منه وزارة المياه في تعليقها على التقرير وشرح استراتيجيتها القادمة.